printlogo


printlogo


قبس من نور
مولد فاطمة الزهراء(س): نورٌ يهب الحياة معناها

مقدمة:
حين يولد النور… لا يحتاج إلى تاريخٍ يُدوَّن، ولا إلى يومٍ يُحتفَى به، لأن الضوء يعيش في القلوب قبل أن يسطع في الآفاق.
وهكذا هو يوم ميلاد فاطمة الزهراء(س)؛ يومٌ لا يشبه الأيام، لأنه ولادةُ النور الذي سبق الوجود، والروح التي جُعلت بركةً لهذا العالم منذ أن كان العالم فكرةً في علم الله.
فاطمة الزهراء: نور لا ينطفئ
فاطمة ليست ابنة نبي فحسب، إنها الامتداد الروحي للنبوة، السرُّ الذي حمله رسول الله صلى الله عليه وآله في قلبه، والضياء الذي كان يشرق على المدينة كلما دخلت عليه.
قال عنها: "فاطمة بضعة مني"، لكن هذا ليس وصفًا جسديًا، بل وصفٌ لسرٍّ إلهي أودعه الله في إنسانيّتها، نورٌ لا يحدّه تاريخ ولا يطفئه ظلم.
كانت الزهراء صوت الحق حين صمتت الأصوات، وقلب الرسالة حين تثاقلت الأرض بالفتن. وكانت الصابرة حين اشتد البلاء، والثابتة حين تفرّق الناس، والممتحنة بالصبر والإيمان قبل أن يُخلق الزمان والمكان.
إنها ليست صفحة من التاريخ… إنها التاريخ الذي يبقى حيًا مهما حاول الزمن أن يطوي صفحاته.
الزهراء… مدرسة الأئمة ومصدر نورهم
لم تكن الزهراء مدرسةً للناس فحسب؛ كانت قدوةً حتى لحجج الله على خلقه.
روى الإمام الحسن العسكري(ع) قوله العظيم: "نحن حجج الله، وأمّنا فاطمة حُجّةُ الله علينا".
هذه كلمة تهزّ القلب، كيف تكون فاطمة حجّة على أئمةٍ معصومين؟
لأن نورها أسبق، ومقامها أرفع من أن يُقاس بمقاييس البشر.
ولذلك قال الإمام المهدي(ع) في توقيعه الشريف: "وفي ابنة رسول الله لي أُسوة حسنة".
فإذا أردت أن تعرف إمامك المنتظر، فانظر إلى أمه.
وإذا أردت أن تفهم عدله، وثباته، وطريقه، فانظر إلى فاطمة.
فهي المرآة التي تعكس مشروعه، والقدوة التي بها يقتدي، والروح التي بها يستمد ثباته في مواجهة ظلمات آخر الزمان.
إن طريق الانتظار يبدأ من باب فاطمة، فمن عرفها عرف الإمام، ومن سار على خطاها كان ممهِّدًا حقيقيًا لدولته المباركة.
رسالة للشباب… من نور فاطمة يبدأ الطريق
يا شباب الأمة. إن كنتم تبحثون عن القدوة التي لا تهزّها الفتن، ولا تغيّرها الظروف، ولا تسقط أمام المغريات، فابحثوا عن فاطمة.
فيها ترى معنى القوة بلا عنف، والثبات بلا صراخ، والاحتجاج بلا انكسار.
فيها نفهم لماذا يقتدي بها الإمام المهدي، ولماذا جعل الله نورها سلاحًا في زمن الظلام.
هي ليست شخصية تاريخية… بل مشروع تربية.
هي ليست سيرةً تُقرأ، بل روحٌ تُعاش.
وهي القادرة وحدها على صنع جيلٍ مهدويٍّ واعٍ، أولئك الذين لا تُحركهم أمواج الفتن، ولا تشتتهم الضوضاء، ولا تُغريهم طرق الضلال مهما تلونت.
الخلاصة:
نحن اليوم لا نحتفل بميلاد امرأة عادية، ولا حتى بشخصية عظيمة.
نحن نحيي ميلاد المقياس الذي تُوزن به المواقف، والنور الذي يُكشف به الحق، والروح التي من دونها لا تُفهم رسالة محمد ولا مقام علي.
مولد فاطمة هو ميلاد الحقيقة التي لا تموت.
هو اللحظة التي تبدأ فيها الرسالة من جديد كلما أظلمت الدنيا.
هو الشاهد على أن النور الإلهي ما زال يمشي بين الناس من خلال كلماتها، ومواقفها، ومظلوميّتها، وثراء معنوياتها.
فاطمة هي الكتاب الذي لا يقرؤه إلا من طهّر الله قلبه،
والباب الذي لا يُفتح إلا لمن حمل الولاء حقًا،
والميزان الذي تُوزن به القلوب يوم لا ينفع مال ولا بنون.
فطوبى لمن عاش نورها وتشرّف بخدمتها وسار على طريقها. وطوبى لمن كان له في فاطمة زادٌ إلى الله، وهدايةٌ إلى الإمام، وثباتٌ على الحق.
اللهم بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، اجعل نورها في قلوبنا، وبركتها في أعمالنا، وهداها في خطواتنا، واجعلنا من المتمسكين بولايتهـا، الحاملين لرسالتها، العاملين بنورها.