هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

الحجاب الشّرعيّ تاريخه، حكمه، فلسفته، أدلّته

□ مقالة/ الجزء الثالث والأخیر

الحجاب الشّرعيّ تاريخه، حكمه، فلسفته، أدلّته

□ الشيخ منصور إبراهيم الجبيلي

▪ النُّقطة الخامسة: أدلّة لزوم الحجاب ‏
الدَّليل الأوَّل:‏
‏ آية الجلباب: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وبَنَاتِكَ ونِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى ‏أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً] (الأحزاب:59). ‏
أوّلاً: سبب نزول الآية ورد "إنَّ النّساء كُنَّ يَخْرُجْنَ إِلَى الْمَسْجِدِ ويُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ(ص)، وإِذَا ‏كَانَ بِاللَّيْلِ خَرَجْنَ إِلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ والْعِشَاءِ الْآخِرَةِ والْغَدَاةِ: يَقْعُدُ الشُّبَّانُ لَهُنَّ فِي طَرِيقِهِنَّ فَيُؤْذُونَهُنَّ، ‏ويَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هذه الآية: [يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وبَناتِكَ ونِساءِ الْمُؤْمِنِينَ..] إِلَى قَوْلِهِ: ‏‏[ذلِكَ أَدْنى‏ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً]‏
‎ ‎ثانياً: بيان معنى الآية وأمَّا معاني المفردات فقد تقدَّم توضيحه في البحث، وبيان المعنى الكلّيّ أنَّه كان ‏نساء العرب قبل الحرائر منهنَّ يلبسن الخمار، ويضربْنه خلف ظهرهن، بحيث تظهر الأقراط، والصّدر، ‏ومقدَّم الرّأس فيكون ما ذكر ظاهراً، وكن يلبسن فوقه جلباباً وهو الثَّوب الواسع الذَّيل، يوضع على الرّأس ‏ويصل إلى الرّكبة تقريباً. ‏
ثالثاً: تقريب الاستدلال بالآية الآية تبيِّن لزوم إدناء الجلباب لا أصل وضع الجلباب؛ باعتبار الأمر ‏بالإدناء للجلباب ولم تأمر بأصل الجلباب. ومن هنا يتبيَّن أن القول بأنَّ المقصود هو أصل لبس الجلباب ‏بعيد؛ لأنَّ الآية كأنَّها تفرض أنَّهنّ يلبسن الجلباب لا أنّهن لا يلبسنه من رأس، بل كنَّ يلبسنه ولكن ولا ‏يدنينه، فالأمر الجديد هو الإدناء لا اللبس، وحمل الإدناء على اللبس خلاف الظَّاهر. ‏
قد يقال: الآية تشير إلى أنَّ الحرائر في الجاهليّة محصَّنات بالنَّظر العرفيّ، لا يجرأ أحد من ضعاف ‏النُّفوس أن يتحرَّش بهن، بخلاف الإماء، فهنا تأمر الآية الحرائر؛ حتَّى يتميَّزن عن الإماء فلا يتحرَّش بهنَّ، ‏فكأنَّ الآية جاءت للتَّفريق، وبما أنَّ في زماننا لا يوجد إماء وجواري، فالهدف والغاية المذكورة في الآية ‏قد ارتفع، فلا يجب إدناء الجلباب.‏
‏ الجواب:  أوّلاً: لا دليل على تقييد الآية الكريمة بالحرائر دون الإماء؛ إذ الآية مطلقة والتَّقييد يحتاج إلى ‏دليل وقرينة، ولا يوجد من ذلك شيء. ثانياً: الآية -كما تقدَّم- تأمر بإدناء الجلباب لا لبس نفس ‏الجلباب، ومن المعروف أنَّ الإماء والجواري كنّ لا يلبسن الجلباب عادة، فالتَّفريق قد كان موجوداً ‏وحاصلًا آنذاك، فكيف تأتي الآية لتحصيل الحاصل! ثالثاً: في تفسير الآية وسبب نزولها قد ذكروا بأنَّه ‏من الأسباب هو التّحرّش بالإماء، فالأوفق هو الخطاب لهنَّ بلبس الجلباب لا أمر الحرائر بإدناء الجلباب، ‏وهذا كاشف عن بعد هذا التَّفسير. فالمناسب أنَّ الآية بحسب السِّياق هي دفع إيذاء النِّساء، وأن تكون ‏النِّساء عفيفات. صحيح أنَّ الخمار غير واجب على الإماء، ولكنَّه مطلوب وراجح شرعاً. ‏
فالمحصَّل: أنَّ الآية تدلُّ على لزوم إدناء الجلباب(الحجاب بالمعنى العرفيّ) لكلّ النِّساء، غايته أنَّ الإماء ‏بدليل آخر غير الآية نستقيد عدم وجوبه عليهنّ مع مطلوبيّته لهن.‏
‏ إن قلتَ: إنَّ الآية الكريمة لا تدلُّ على حكم إلزاميّ وهو وجوب الحجاب؛ وذلك أنَّ الآية قد صدَّرت ‏بالخطاب للنّبيّ(ص)‎ ‎لا للرّسول، وما كان كذلك فهو تعليم وإرشاد مرحليّ لتدارك مفسدة، نعم لو ‏صدَّرت بالخطاب للرّسول لكان الحكم إلزاميّاً؛ وذلك لأنَّ ما يأتي بعد الرّسول يكون حكماً إلزاميّاً، فلا ‏تدلّ الآية على حكم إلزاميّ.‏
‏ قلتُ: أوّلاً: لا دليل على هذا التَّفريق المذكور بين الخطاب للنّبيّ والرّسول، مع التّسليم بوجود فرق بين ‏الرّسول والنّبيّ، إلّا أنّه في المقام وفي مثل هذا الخطاب فهو إلزاميّ.‏
‏ ثانيّاً: ذيل الآية [وكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً] لا يناسب أن يكون الحكم تعليماً وإرشاداً؛ إذ إنّ مخالفة ‏التّعليم والإرشاد لا يوجب العقاب، فيقال للمخالف إنّ الله غفور رحيم، فالمناسب لذيل الآية هو الحكم ‏الإلزاميّ. ‏
الدَّليل الثَّاني:
 (آية الخمار): [وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ‏إلّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء ‏بُعُولَتِهِنَّ..] (النور:31). ‏
أوّلاً: سبب النُّزول:‏
‏ أنَّ النِّساء كنَّ في زمان النَّبيّ، يغطِّين رؤوسهنَّ بالأخمرة (وهي المقانع)، ويسدلنها من وراء الظَّهر، فيبقى ‏النَّحر (أعلى الصّدر) والعنق لا ستر لهما، فأمرت الآية بليّ (أي: إسدال) المؤمنات للخمار على الجيوب، ‏فتضرب الواحدة منهنّ بخمارها على جيبها (أعلى الجلباب)؛ لتستر صدرها. ‏
ثانياً: تقريب الاستدلال بالآية:‏
‏ 1 إنّها تتضمَّن حكماً عامّاً: بأن تغضَّ المؤمنات أبصارهنَّ وأن يحفظن فروجهنّ. وهو حكم يقصد إلى ‏نشر وتأكيد العفَّة بين المؤمنات عموماً. وتفيد أنَّ بعضهن كنَّ يطَّلعن على وجوه الرِّجال. كما تفيد الآية ‏السَّابقة عليها: [قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ..] (النور:30)  أنَّهم ‏كانوا يطَّلعون على وجوه بعض النِّساء.‏
‏ 2 الآية في صدد بيان حكم الزِّينة، التي تكون خفيَّة والتي تكون ظاهرة. ‏
وهنا نقول بشكلٍ مختصر: بأنَّ المعروف بين الفقهاء أنَّ المراد بالزِّينة، هو تمام البدن، وكلُّ ما تضعه المرأة ‏على البدن من زيادات تجملها، فهذه تحرم إلّا ما استثني. ‏
والزِّينة الظّاهرة أو التي يجوز للنِّساء والفتيات إبداؤها، هي الوجه والكفين  والكحل والسّوار والأقراط ‏والخواتم على اختلاف بين الفقهاء؛ فبعضهم يحرم حتى إظهار الوجه والكفين، وبعضهم يحرِّم مطلق الزِّينة ‏في الكفين حتى الخاتم، -وكلّ يرجع إلى من يقلّده-؛ والزّينة الخفيّة هي ما عدا ذلك، مثل: الفخذ والصّدر ‏والبطن وغيرها. وهذه لا يجوز أن تبدو إلّا لمن عدَّدتهم الآية، ومنهم: الأزواج، والآباء، والأبناء، وآباء ‏البعول، وأبناء البعول (من زوجات أخرى)، والإخوة، وأبناء الإخوة، أو نسائهن. ‏
وفي هذا الصَّدد فإنَّ على المرأة ألّا تضرب برجلها، أي تضع ساقاً على ساق -كما فسر بعضٌ-، أو لا ‏تضرب بقدمها على الأرض، فيظهر ما يخفى من زينة الفخذ أو غيره، أو ما تضعه من أساور على قدمها.‏
‏ 3 ما ورد في الآية من جملة [..وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..] لا يعني فرض الخمار (الغطاء) ‏أصلاً وشرعاً -كما تقدَّم في الآية السَّابقة-، لكنَّه يرمي إلى التَّعديل في عادة كانت قائمة وقت نزول ‏الآية، بوضع الخمار ضمن المقانع وإلقائه على الظَّهر، بحيث يبدو الصَّدر وشيء من الرَّقبة والأذنين ‏ومقدَّمة شعر الرَّأس ظاهرين. ومن ثمَّ كان القصد هو تعديل العادة ليوضع الخمار على الجيوب، وكانت ‏الجيوب في ذلك الزَّمان، ولا زالت في هذا الزّمان، توضع على الصَّدر. قوله تعالى [وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ]، ‏والمقصود في غير الوجه والكفين، فتدلّ على وجوب ستر تلك المواضع وحرمة كشفها، وحيث إنَّ من ‏الواضح عرفاً أنّه لا موضوعيّة لستر الزّينة، وإنّما هو مقدِّمة لعدم نظر الرَّجل إليها، فتثبت حرمة نظر ‏الرّجل إلى تلك المواضع. ففي صحيحة الفضيل حيث ورد السُّؤال فيها عن الذّراعين من المرأة، هما من ‏الزّينة التي قال اللّه!: [ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ]؟ فأجاب(ع)نعم.» فدلَّت على حرمة إبدائهما لغير ‏الزَّوج ومن ذكر في الآية الكريمة.‏
‏ إن قلتَ: الآية قسَّمت الزّينة، فقالت بجواز الإبداء للظّاهر دون غيره، والظّاهر هو ما أظهره الله كالشّعر ‏والرّقبة والصّدر والبطن والسّاقين، وأمَّا الباطن فهو ما خلقه الله مستوراً وهو الجيوب والجيب هو كلّ ‏فتحة لها طبقتان، فينطبق ذلك على ما بين النّهدين وتحتهما، وتحت الإبطين وما بين الإليتين وغيره، فلا ‏يجب ستر الرّأس. ‏
قلتُ:‏
‏  أوّلاً: هذا خلاف كلام أهل اللغة، ولم نجد ما ذكر في كلام اللغويّين.‏
‏ ثانياً: الآية تفرض أنَّ الظّاهر والباطن هما من الزّينة، فهل ما ذكر من الضَّابط والمصاديق التي هي من ‏غير الظّاهر من الزّنية؟
ثالثاً: يلزم التَّكرار في الآية؛ حيث ذكرت الآية: [ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ..] ثمَّ يقول: [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ‏عَلَى جُيُوبِهِنَّ]، فعلى هذا التَّفسير أنَّ المراد من المقطع الأخير هو النَّهي عن إبداء الزِّينة، فهذا خلاف بلاغة ‏القرآن الكريم. ‏
الدَّليل الثَّالث:‏
‏ الأخبار الدالَّة على حرمة النَّظر  إلى وجه المرأة ويديها، وذلك في الرِّواية المفسِّرة لهذه الآية الكريمة: ‏‏[قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ...]، بتقريب أنَّ المقصود من الأمر بغضِّ البصر ترك النَّظر.  ‏
ففي معتبرة سعد الإسكاف الواردة في مورد نزول الآية عن أبي جعفر(ع)‎ ‎قال:«استقبلَ شابٌّ من الأنصار ‏امرأةً بالمدينةِ، وكانت النّساء يتقَنَّعْنَ خَلفَ آذانِهِنَّ. فنظرَ إليها وهي مُقبِلةٌ، فلمَّا جازت نَظَر إليها، ودخلَ ‏في الزُّقاق -قد سمّاهُ ببني فلانٍ- فجعل ينظرُ خلْفها، واعترضَ وجهه عظمٌ في الحائط أو زُجاجَةٌ فَشُقَّ ‏وجْهُهُ، فلمَّا مضت المرأةُ نظر فإذا الدِّماءُ تسيلُ على ثَوْبِه وصدره، وقال: واللّه لآتينَّ رسول اللّه(ص)‎ ‎ولأُخبرنَّهُ، فأتاهُ فلمَّا رآهُ رسول اللّه(ص) ‎قال: ما هذا؟ فأخبرهُ، فَهَبَط جبرئيلُ(ع)‎ ‎بهذهِ الآية: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ‏يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ويَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ].‏
بتقريب أنَّه لولا نظر الشَّابّ الأنصاريّ إلى وجه المرأة ومحاسنها، لم يصر مجذوباً لها لكي يدخل في ‏الزُّقاق، فينشقّ وجههُ باعتراض العظم. وبمقتضى مناسبة مورد نزول الآية لا بدَّ أن يكون المقصود من ‏الأمر بغضِّ البصر إيجاب ترك النَّظر. ويمكن أن يقال: مقتضى إطلاقه حرمة النَّظر إلى جميع بدن المرأة ‏حتَّى الوجه والكفّين.‏ ‏ إذن فهي تدلُّ بالأولويَّة القطعيَّة على حرمة النَّظر إلى غيرهما من أعضائها.
الدَّليل الرَّابع:
الرُّوايات الدَّالة ‏على جواز النَّظر إلى شعر المرأة وساقها لمن يريد التَّزويج منها، أو يريد شراء الأمة، كصحيحة محمَّد بن ‏مسلم، قال: سألت أبا جعفر(ع)‎ ‎عن الرَّجل يريد أن يتزوَّج المرأة أن ينظر إليها؟ قال: «نعم، إنَّما يشتريها ‏بأغلى الثّمن.» فإنَّ اختصاص الحكم فيها بمريد التَّزويج والشِّراء، يدلُّ بوضوح على الحرمة، إذا لم يكن ‏الرَّجل بصدد الزَّواج منها، أو شرائها.‏
‏ الدَّليل الخامس:
 معتبرة السُّكوني الدَّالة على جواز النَّظر إلى نساء أهل الكتاب، معلِّلة ذلك بأنَّهن لا ‏حرمة لهنَّ، فعن أبي عبد اللّه(ع)، قال:«قال رسول اللّه(ص)‎: ‎لا حرمة لنساء أهل الذِّمّة أن ينظر إلى ‏شعورهنّ وأيديهنّ، فإنَّها تدلُّ على حرمة النّظر إلى المسلمة؛ نظراً إلى كونها محترمة من حيث العرض. ‏
الدَّليل السَّادس:
النُّصوص الدَّالة على جواز النَّظر إلى نساء أهل البادية؛ باعتبار أنَّهنّ لا ينتهين إذا نهين؛ ‏لصحيحة عبَّاد بن صهيب، قال: سمعت أبا عبداللّه(ع) يقول: «لا بأس بالنَّظر إلى رؤوس أهل تهامة، ‏والأعراب، وأهل السّواد والعلوج؛ لأنَّهم إذا نهوا لا ينتهين.» فإنَّ التَّعليل يكشف عن حرمة النَّظر إلى ‏المرأة بحدِّ ذاته، وإنَّ الحكم بالجواز في أهل البادية إنَّما ثبت؛ نتيجة إلغائهنَّ لحرمة أنفسهنَّ، وإلّا فالحكم ‏الأوَّلي فيهن أيضاً هو عدم الجواز.‏
▪ ‏ النُّقطة السَّادسة: الشُّبهات حول الحجاب
‏ الشُّبهة الأولى: الحجاب يمنع المرأة من التَّعلّم والعمل والرّياضة وو..، فيقيدها ويمنعها من التَّقدّم في ‏حياتها. ‏
الجواب: الإسلام حينما فرض الحجاب فقد كرَّم المرأة وحافظ عليها؛ كي لا تتعرَّض للإيذاء من قبل ‏الشَّواذ والفسّاق وضعاف النُّفوس، والحجاب لا نسلِّم أنَّه يمنع المرأة من التَّقدّم في شتَّى المجالات، فقد ‏وصلت كثير من النِّساء المسلمات إلى أعلى المستويات في العلم والعمل وشتَّى المجالات وهنَّ محجَّبات، ‏ولذا نرى كثيراً من النِّساء في عدَّة مجالات كالطَّبّ والتَّدريس والإدارة. ‏
الشُّبهة الثَّانية: المرأة حرَّة فيما تصنع، فلها أن تستر رأسها ولها إلّا تستر، وليس لأحد أن يفرض عليها ‏شيئاً لا تقبله، ولا يوجد إكراه في الدّين [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..] (البقرة:256)، فلمَ تُكرهون المرأة على ‏الحجاب؟  ‏
الجواب:  ‏
أوّلاً: الإنسان مخلوق من قبل الله تعالى، فالخالق الذي خلقنا له الحقُّ في أن يلزمنا بأي إلزام وليس لنا ‏حقُّ الاعتراض. ‏
ثانياً: نعم الإنسان حرٌّ، ولكنَّ هذه الحرّيّة مقيَّدة بألّا تخالف الحدود الإلهيّة، فعند مخالفة الحدود الإلهيّة ‏يكون الإنسان قد تجاوز حدَّه، فلا بدَّ من تحديد سعة وضيق الحريَّة في مرحلة سابقة بما وضعها لنا سيُّدنا ‏وإلهنا وخالقنا ومالكنا، ثمَّ يأتي الكلام في أنَّه هل الإسلام قيَّدهما أم لا. ‏
ثالثاً: هذا الاستشهاد بالآية غير صحيح؛ فيحتمل أن يكون المعنى هو الإخبار أنَّ دين الإسلام هو دين ‏المنطق والعقل والحكمة، فلا يحتاج إلى إجبار أحد على أن يعتنقه، فكلُّ إنسان إذا أعمل عقله والتفت ‏إلى فطرته يجد عقيدة الإسلام وأحكامه منسجمة مع الطَّبيعة والفطرة والعقل، وبالتّالي يعتنقها باختياره ‏دون إكراه. وهناك نقاش في فهم الحرّيّة العقديّة من هذه الآية، أتركه لمحلّ آخر فهو ليس بحثنا، ويكفي ‏ما ذكرناه. ‏
الشُّبهة الثَّالثة: الفكر الإسلاميّ لا يتناسب مع متطلَّبات الزَّمان والمكان؛ فالحجاب كان في زمن النَّبيّ ‏مناسباً لذلك الزَّمان؛ فذلك الزَّمان لا تعمل المرأة في شتَّى المجالات كاليوم، وأمَّا هذا الزَّمان فالذي ‏يتناسب مع عمل المرأة في شتَّى المجالات هو عدم لزوم الحجاب.‏
‏ الجواب: من الذي يحدِّد أنَّ هذا هو المناسب أم لا؟ هل هو الذَّوق أم الأهواء؟ فهذه تختلف من شخص ‏إلى شخص، ومن مكان إلى آخر ومن زمان إلى زمان، والحجاب تشريع إلهيّ من قِبَل خالق الكون، وهو ‏سبحانه الأعرف بما يصلح الإنسان وبما يفسده. ثمَّ إنَّا لا نسلِّم عدم مناسبة الحجاب لهذا الزَّمان أو غيره، ‏بل الحجاب مناسب لهذا، وكلُّ زمان وفي شتَّى المجالات.‏
‏ الشُّبهة الرَّابعة: الحجاب يحول دون إبراز المرأة جمالها، فهو يحجبها ويغطِّي أهمَّ ما في المرأة؟
‏ الجواب:‏
أوّلاً: لا نسلم أنَّ الحجاب الشّرعيّ يحجب جمالها، وأنَّ جمالها في كشف بدنها. ‏
ثانياً: من قال بأنَّه يجب عليها أن تبرز مفاتنها وجمالها؛ فهي ليست بضاعة. ‏
ثالثاً: وهل جمال البدن هو أهمُّ ما في المرأة؟ نعم، الغرب المتحلِّل يصوِّر لنا المرأة أنَّها بضاعة، ولكنَّ ‏الواقع ليس كذلك، فالجمال جمال الرُّوح أوَّلاً، والبدن يبلي ويفسد شيئاً فشيئاً مع كِبَرها. ‏
الشُّبهة الخامسة: أنا امرأة وليس القرآن حكراً على أحد، فلي حقَّ التَّفسير، ولم أفهم من آيات السِّتر ‏والحجاب أنَّ الحجاب أمرٌ إلزاميّ، فلا يجب عليَّ أن أتستَّر.‏
‏ الجواب: ‏
أوّلاً: أمّا أنَّ القرآن ليس حكراً على أحد، فإن كان المراد هو القراءة والتَّدبُّر في آياته فنعم، كيف لا وقد ‏قال تعالى: [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ..] (النساء:82)، ولكن لا يمكن التَّدبُّر بلا مفاتيح وآليَّات، ومن الآليات ‏علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة، وعلم الأصول والرِّجال والفقه، وقد تحتاج إلى الفلسفة وعلم ‏الكلام وغيرها، وفهم روايات أهل البيت(ع)الذين هم أدرى بالذي في القرآن، يحتاج إلى هذه العلوم ‏وغيرها، ولا يمكن للعقل أن يستقل بنفسه في التَّدبر.  نعم يمكن التَّدبر في بعض الآيات التي هي مورد ‏اتفاق في فهمها، وليست من المتشابهات. وأمَّا إن كان المقصود هو التَّفسير فما ذكر ليس بصحيح؛ إذ إنَّ ‏التَّفسير كذلك يتوقَّف على عدَّة علوم كعلوم اللغة وعلم الفقه والحديث والرَّجال والأصول وغيرها، وهذه ‏عادة يدرسها بإتقان قليل، فإذا كان المستشكلّ قد درس ذلك وفهم هذه العلم فله أن يفسِّر. وإلّا إذا استند ‏الإنسان إلى عقله فقط، فإنَّه يصدق عليه أنَّه فسَّر القرآن برأيه، والذي قد وردت روايات عن أهل البيت ‏في ذمَّهم.‏
‏ ثانياً: هذا حكم شرعيّ إلزامي وليس أمراً مباحاً، فكلٌّ يرجع إلى المرجع الذي يكون تقليده مبرئاً لذمته؛ ‏للزوم التَّقليد -كما ثبت في محلِّه- وليست هذه المسألة من المسائل التي يمكن للمكلَّف العمل بها أو ‏تركها باختياره.‏
‏ الشُّبهة السَّادسة: المهم في الإنسان الطَّيبة والوجه الضَّحوك مع النَّاس، والأخلاق الحسنة، وأنَّ يكون ‏القلبُ نظيفاً، وتكون المعاملة حسنة، ولا يجب الحجاب؛ إذ هو أمر ظاهري لا يكشف عن الباطن. ‏خصوصا إذا كانت خادمة لأهل البيت(ع)، فهذه الخدمة تشفع لها يوم القيامة، فلا تنفِّروها من الخدمة؛ ‏بالطَّلب منها أن تلبس الحجاب.‏
‏ الجواب: ‏
‏ أوّلاً: المهمّ في حياة الإنسان هو طاعة الله تعالى، واكتساب رضاه وتجنُّب معصيته وغضبه.‏
ثانياً: لتكن هذه المرأة طيَّبة القلب وغيرها من الصِّفات الحسنة وتكون مع ذلك محجَّبة؛ فلا منافاة، بل ‏الحجاب تكليف لوحده، فقد يجتمع عنوان طيبة القلب والحجاب وقد لا يجتمعان، كما يقال بينهما عموم ‏من وجه، والمطلوب العفاف القلبيّ والظَّاهري بالحجاب. ‏
ثالثاً: خدمة أهل من أعظم القربات، ولكن قد يغالط الإنسان نفسه بالطَّاعة والمعصية في وقت واحد، ‏ويكون أشبه بالمرجئة؛ وكأنَّ الطَّاعة لا تضرُّ معها المعصية، فالخدمة طاعة والسُّفور وعدم ستر الرّأس مع ‏العلم والقصد وعدم العذر معصية، فلا يغالط الإنسان نفسه. ثمَّ أهل البيت(ع)الذين نخدمهم هم من ‏أمرونا بالحجاب للمرأة. وأمَّا تنفيرهن عن الخدمة، فلا معنى لنفرتهنّ أو امتعاضهنّ؛ إذ الأمر بالمعروف ‏والنّهي عن المنكر تكليف إلهيّ، علَّمنا إيّاه أهل البيت(ع)الّذين نخدمهم، نعم يبقى أن يختار الإنسان ‏الأسلوب المناسب. ‏
الشُّبهة السَّابعة: إذا أراد الله أن يهدي هذه المرأة غير السَّاترة لرأسها، فسوف يهديها في يوم من الأيام، فلا ‏تكلِّفوا أنفسكم بأمرها.‏
‏ الجواب: الهداية لها أسبابها، فما لم يوفِّر ويهيئ الإنسان الأرضيَّة للهداية فبعيد أن تحصل الهداية، ثمَّ هذا ‏لا ينافي الحكم التَّشريعي والتَّكليف بلزوم الحجاب، فما لم تستر رأسها تكون عاصية، فكيف باستمرارها ‏في المعصية فهل هذا تمهيد لأرضّية الهداية؟
‏ الشُّبهة الثَّامنة: الإنسان لا بدَّ أن يفعل الشَّيء عن قناعة، فما لم يقتنع الإنسان بشيء فلن يفعله برغبة، وما ‏دمتُ لستُ مقتنعة فلن ألبسَ حجابي، إلّا بعد القناعة؛ لكيلا يكون لباسي للحجاب بلا قناعة منّي.‏
‏ الجواب: الحجاب وستر الرأس ليس أمرا تأتي فيه القناعة، بل حكم شرعيّ إلزاميّ، اقتنع من اقتنع ‏ورفض من رفض، ومتى كانت الأحكام الإلزامية تدور مدار القناعة وعدمها؟ فهل أنَّ العبد إذا أمره سيده ‏ومولاه ومالكه وخالقه لا بدَّ أن يقتنع حتى يتحرَّك؟ وهل الجندي لا يتحرَّك إلا بعد اقتناعه بأوامر ‏قائده؟ ‏
الشُّبهة التَّاسعة: بعض النَّساء المتحجِّبات ظاهرهنَّ شيء وباطنهنَّ شيء آخر، فنجد بعض النِّساء متستّرة ‏ظاهراً، والحال أنَّها متكدّرة -إن صحّ التّعبير- وليست بنظيفة في الباطن؛ فتحمل الأحقاد والأضغان، إذن ‏كلُّ المحجبات هكذا، فلا داعي أن ألبسه؛ لأنَّه لن يغير من شخصيّتي.‏
‏ الجواب:‏
‏ أوّلاً: نحن لا نعلم ببواطن النَّاس، فينبغي أن نحسن الظّنّ بالآخرين، ولا نتهمهم. ‏
ثانياً: لو سلَّمنا وجود بعض النِّساء عُرفن بذلك، فما يفعلونه في الباطن ليس بصحيح، وحسابهم عند ربِّ ‏العالمين، ولسنا نحن من نحاسبهم.‏
‏ ثالثاً: من أين هذا التَّعميم؟ فلو ثبت في بعض فمن أين هذا التّعميم لكل المحجّبات؟! ‏
رابعاً: الحجاب حكم شرعيّ إلزاميّ مخاطب به النّساء المكلَّفات، فكلُّ امرأة مكلَّفة بهذا الحكم الشّرعي ‏ولا علاقة لها بالآخرين، ولا علاقة له بالتغيُّر من عدمه، فإذا لم تغيِّر الصَّلاة في الإنسان من جهة النَّهي ‏عن الفحشاء والمنكر فهل يتركها؟ وهل يترك الجندي أمر قائده لأنَّه لم يرَ أثرَ أمرِ قائده؟
‏ الشُّبهة العاشرة: الحجاب وستر الرّأس يبعد الشَّباب عنها، وبالتَّالي يمضي وقت الزَّواج ويفوتها قطار ‏الزَّواج كما يقال، بينما لو كانت غير متسترة، فإنه تكون في معرض نظر الرِّجال، فيتقدَّمون لها لخطبتها ‏والزّواج منها، فلا يفوتها القطار.‏
‏ الجواب:‏
أوّلاً: لا علاقة ولا ملازمة بين خطبة المرأة والحجاب؛ فإذا كان لها نصيب ورزق ستحصل عليه، حتَّى لو ‏كان في قاع البحر، كثير من المؤمنات لا يخرجن من بيوتهنَّ، ومع ذلك تزوَّجن وعشن حياةً سعيدة ‏مستقرِّة.‏
ثانياً: هذا الكلام مبني على نظرة خاطئة للمرأة، وأنَّها سلعة وبضاعة، وهذا خلاف نظرة الإسلام للمرأة ‏وأنَّها جوهرة مصانة. ‏
▪ ‏ خاتمة
‏ مسألة الحجاب وستر المرأة للرّأس هي من المسائل الضّروريّة الواضحة، التي لا يتطرَّق إليها الشَّكّ، ‏ولزوم الحجاب هو حكم شرعي إلهيّ وراءه مصلحة شديدة، بحيث يكون ترك هذه الفريضة موجباً ‏لخسران هذه المصلحة، وموجباً لحصول المفسدة العظيمة.  فعلى المرأة المسلمة أن تفتخر بحجابها ‏الشَّرعيّ، والذي هو شرف وفخر لها وفيه تكاملها، ولا تصغي لما يطرح من شبهات ووساوس، من قبل ‏من يدَّعي الدِّفاع عن المرأة، وهو لا يريد الخير لها، تحت عناوين برَّاقة لامعة تغري. فينبغي ألّا نحيد عن ‏الحكم الشَّرعيّ والتَّكليف الإلهيّ قيد أنملة، ففي السَّير على خطِّ القرآن والعترة والفقهاء الفلاح والسَّعادة ‏في الدَّارين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‎.‎
المصدر: مجلة رسالة القلم

برچسب ها :
ارسال دیدگاه