من هو الميرزا النائينيّ؟
آية الله العظمى أستاذ المحققين وشيخ الفقهاء والأصوليين الميرزا محمد حسين الغروي النائيني(قد) ( 1276 هـ ق - 1355 هـ ش )
ولادته ونشأته:
ولد الشيخ محمَّد حسين بن الشيخ عبد الرحيم النائيني(قد) في مدينة نائين - الواقعة في محافظة أصفهان - وإليها نُسب، وكانت ولادته في يوم دحو الأرض 25 من ذي القعدة سنة 1276 هـ ق، ونشأ في أسرة علمية دينية معروفة، حيث كان والده الشيخ عبد الرحيم من أهل الفضل وكان يُلقَّب بشيخ الإسلام.
سفره إلى أصفهان:
درس أوّليات العلوم في مدينته نائين، ثُمَّ سافر إلى مركز المحافظة أصفهان حوالي سنة 1293هـ ق، لإكمال دراسته، فحضر درس العلامة المحقق آية الله الشيخ محمد حسين(قد) نجل آية الله العظمى الشيخ محمّد باقر(قد) نجل آية الله العظمى المحقق الكبير الشيخ محمّد تقي الأصفهاني(قد) صاحب حاشية المعالم المسماة بـهداية المسترشدين.
ثُمَّ حثّه أستاذه الشيخ محمد حسين على الحضور لدى والده الشيخ محمد باقر الأصفهاني، فحضر لديه فقهاً في بحث البيع والخيارات وأُعجب به أشد الإعجاب وكان يقول عن أستاذه هذا «إنه كان من تبحره في الفقه واقتداره على تنقيح قواعد المعاملات والتفريع عليها مع استغراق وقته بالمرجعية الكبرى ما يُتعجب منه»، وكذلك حضر وقت مكثه في أصفهان بحث الأصول عند آية الله الميرزا أبي المعالي الكلباسي(ره)، وبقي مستفيداً هناك قرابة عشر سنوات حتَّى نال من تلك العلوم قسطاً وافراً وحظاً عظيماً.
سفره إلى العراق:
سافر الشيخ النائيني إلى العراق لإكمال دراسته، واستقرَّ في مدينة سامرّاء المقدّسة سنة 1303 هـ ق، فحضر درس مرجع الشيعة آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي(قد) حتَّى وفاته سنة 1312 هـ ق وكان يعبّر عنه بـ سيد أساتيذنا وبـ سيدنا الأستاذ الأكبر، كما كان مقرباً منه جداً، وفي هذا الصدد يقول آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(ره) : «عرفت الميرزا النائيني في سامراء، وهو يومئذٍ مطمح الأنظار ومسرح الأفكار وموضع إشارة الأنامل، وكانت له المنزلة التي يغبط عليها عند المرجع الأعلى السيد الشيرازي؛ إذ كان يعدّه من ذوي الرأي والمشورة ويُحضره في المهمات التي يحضرها أهل الحل والعقد». كما أنه حضر مدة من الزمن لدى العلمين آية الله العظمى السيِّد إسماعيل الصدر(قد) وآية الله العظمى المحقق السيِّد محمَّد الفشاركي الأصفهاني(قد).
ثُمَّ بعد وفاة الميرزا الشيرازي بقي الشيخُ النائيني ملازماً للسيّد إسماعيل الصدر لمدة سنتين ثم سافر معه إلى مدينة كربلاء المقدّسة في سنة 1314 هـ ق وبقي معه مدة فيها، والمظنون قوياً - على ما ينقل حفيده الشيخ جعفر النائيني - أنه بقي في كربلاء مدة سنتين وعليه فيكون قد انتقل إلى مدينة النجف الأشرف في سنة 1316هـ. ومنذ وروده النجف الأشرف توثَّقت العلاقة بينه وبين المحقق الآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية(قد) وصار من أعوانه وكان يحضر مجلسه الخاص ويجيب على بعض الاستفتاءات، ولم يحضر درسه ولم يكن من تلاميذه كما يُذكر على بعض الألسن.
يقول آغا بزرك الطهراني(ره) في طبقات أعلام الشيعة: «صار – أي المحقق النائيني – من أعضاء مجلس الفتيا الذي كان يُعقد في داره – أي دار الآخوند – مع بعض خواص أصحابه للمذاكرة في المسائل المشكلة... ولم يحضر معهد درسه العام؛ لأنه كان غنياً عنه، وشأنه أرفع من حضّاره».
مكانته العلمية:
يتميَّز الشيخ النائيني على أقرانه وعلماء عصره بمكانته العلمية الخاصّة بينهم، فلم تكن حَلَقة درسه كباقي الحَلَقات التي يقتصر دورها على نقل نتاج الماضين إلى المعاصرين، وإنّما كان حلقة علمية مشعّة ما زال شعاعها متوهّجاً في الدراسة الحوزوية التخصّصية منذ قرابة القرن وحتّى الآن، ولا تزال آراؤه ونظرياته تتداولها الأوساطُ العلمية، وتهيمن بقوّة على الفكر الأصولي في مرحلته المعاصرة، بحيث يعد التطرّق لرأي الشيخ النائيني في مسألة ما ومعالجته سلباً أو إيجاباً، ضرورةً علمية.
ولم يكن الشيخ آغا بزرك الطهراني مبالِغاً حينما قال فيه: «أمَّا هو في الأصول فأمرٌ عظيم، لأنّه أحاط بكلِّياته ودقَّقَه تدقيقاً مدهشاً، وأتقنه إتقاناً غريباً، وقد رنّ الفضاء بأقواله ونظرياته العميقة.... حتى عُدّ مجدداً في هذا العلم». ثم قال: «وكان لبحثه ميزة خاصة لدقة مسلكه وغموض تحقيقاته فلا يحضره إلا ذوو الكفاءة من أهل النظر ولا مجال فيه للناشئة والمتوسطين لقصورهم عن الاستفادة منه، لذلك كان تلامذته المختصون به هم الذين تُعلّق عليهم الآمال».
بل يكفيك لمعرفة عظمة هذا الفقيه الأصولي أن معاصريه العظيمَين المحقق العراقي(قد) والمحقق الأصفهاني(قد) قد أكثرا التطرق إلى آرائه ومناقشتها، حتى أن المحقق العراقي قد علّق على فوائد الأصول وهو تقرير بحث المحقق النائيني.
كما أنه عندما هاجر الميرزا مهدي الأصفهاني(قد) إلى مشهد المقدسة عام 1340هـ ق وبدأ بالتدريس، طرح في درسه مباني أستاذه الشيخ النائيني، وأدّى ذلك إلى حضور بعض أساتذة البحث الخارج في مشهد درس الميرزا الأصفهاني للتعرف على هذه المباني، فأحدث حركة علمية لم تكن موجودة في حوزة مشهد المقدسة.
تلامذته:
قد تشكّلت دورته الأصولية الأولى من سبعة طلاب نعرف منهم: آية الله الشيخ موسى الخونساري – آية الله الشيخ أبو الفضل الخونساري - آية الله السيّد جمال الدين الكلبايكاني - آية الله السيّد محمود الشاهرودي - آية الله الميرزا مهدي الأصفهاني، ثم توسعت حلقة درسه شيئاً فشيئاً وأكمل دورته الأصولية وأعقبها باثنتين، حتى تخرج على يديه الشريفتين الكثير من الفقهاء الذين أصبحوا فيما بعد من أكابر المحققين ومراجع الدين، نذكر منهم غير من مضى ذكره:
آية الله السيّد أبو القاسم الخوئي- آية الله الشيخ حسين الحلّي - آية الله الشيخ محمد علي الكاظمي- آية الله السيد محمد الحجة الكوهكمري - آية الله السيّد محسن الحكيم - آية الله السيد محمد هادي الميلاني - آية الله الميرزا محمد باقر الزنجاني – آية الله الشيخ محمد بن الآخوند الخراساني - آية الله السيد حسن البجنوردي – آية الله السيد محمد كاظم الشريعتمداري - آية الله السيّد محمّد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان – آية الله السيد عبد الأعلى السبزواري – آية الله الشيخ صدرا البادكوبي – آية الله الشيخ مجتبى اللنكراني وعشرات مثلهم ومئات غيرهم.
سجاياه ومآثره:
كان زاهداً عابداً، ورعاً تقياً، نموذجاً للتواضع الجم وكان من الأولياء العارفين ومتحلياً بصفات الخاشعين فهو ذو عبادة خالصة وتوجه قدسي عجيب حتى قال آغا بزرك "كان إذا وقف للصلاة ارتعدت فرائصه وابتلت لحيته من دموع عينيه".
ومن الطبيعي أن من يكون بهذه النفسية الملائكية فإنه يهتم ويحاول إرشاد أعزته وأحبته إلى هذا السلوك، أعني: سلوك العبادة والتهجد ومناجاة الله عز وجلّ، وبيان فوائده الدينية والدنيوية. فينقل تلميذه المحقق آية الله السيد محمد هادي الميلاني(قد): «إن أستاذي الميرزا النائيني كان يقول "لا أقول إن صلاة الليل من شرائط الاجتهاد ولكنها لا تخلو من دخل في ذلك"». وهو بهذا يعطي طلابَ العلم درساً وتنبيهاً دافعاً لوساوس الشيطان الخبيثة والمزينة بزينة ظاهرية حيث إنه قد يضعفهم عن العبادة بحجة أن الاشتغال بالعلم أولى مطلقاً.
مرجعيته:
بَرَز اسم الشيخ النائيني مرجعاً دينياً في الفتوى والتقليد، بعد وفاة شيخ الشريعة الأصفهاني(ره) سنة 1339هـ ق فرجع إليه الناس في التقليد. وكان زاهداً في أمر المرجعية ولم يكن متكالباً وحريصاً عليها. وهناك وثيقة بخطه الشريف -كما نقل صاحب كتاب قادة الفكر الديني والسياسي- ذكر فيها: «أنه ما فكّر في أمر المرجعية ولا اجترأ على التصدي إلا بعد أن قطع بوجوبها العيني عليه، ومع ذلك فقد استخار الله عز وجلّ، فجاءت الآية المباركة {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} (18) سورة سبأ».
قال الميرزا النائيني: «فخررت لله ساجداً من هذه العناية والتشريف الذي ما كان يخطر ببالي أن أكون من القرى الظاهرة، فقد ورد عنهم(ع) أنهم القرى المباركة وأن حملة علمهم هم القرى الظاهرة».
مؤلفاته: نذكر منها ما طُبع :
-حاشية على العروة الوثقى، رسالة الصلاة في اللباس المشكوك، -وسيلة النجاة، رسالة في الترتب، رسالة في المعاني الحرفية، رسالة في التعبدي والتوصلي، - تنبيه الأمَّة وتنزيه الملّة، وهي رسالة في وجوب إقامة النظام الدستوري، الفتاوى وهو ما جُمع من أجوبة الاستفتاءات التي صدرت عنه في ثلاث مجدات تحت إشراف حفيده الشيخ جعفر النائيني، وقد شرحَ قسم العبادات منه، فأوضح ما يحتاج إلى إيضاح وأشار في المسائل الخلافية إلى ما هو مدرك للفتوى والاحتياط، وذلك بمراجعة مباني المحقق النائيني الفقهية والأصولية.
أما تقريرات بحثه:
في الفقه:
-منية الطالب في شرح المكاسب في 3 مجدات بقلم الشيخ موسى الخونساري.
-المكاسب والبيع في مجلدين بقلم الشيخ محمد تقي الآملي، وكتب الشيخ الآملي بحث الصلاة أيضاً.
-كتاب الصلاة في مجلدين بقلم الشيخ محمد علي الكاظمي.
-الصلاة في اللباس المشكوك، بقلم الشيخ موسى الخونساري.
في الأصول:
-رسالة في اجتماع الأمر والنهي، بقلم الشيخ موسى الخونساري، طبعت في قم المقدسة منذ وقت بعيد.
-فؤائد الأصول، بقلم الشيخ محمد علي الكاظمي.
-أجود التقريرات، بقلم السيِّد الخوئي .
ومما يجدر ذكره في المقام أن فوائد الأصول دورة ملفقة من الدورة الثانية والدورة الثالثة، فقسم الأصول العملية من الدورة الثانية وقسم مباحث الألفاظ من الدورة الثالثة، بينما أجود التقريرات هو تقريرٌ للدورة الثالثة بكاملها، وعليه فيتحد فوائد الأصول مع أجود التقريرات في مباحث الألفاظ ويفترقان في الأصول العملية ويكون الأحدث منهما هو أجود التقريرات.
أقوال العلماء فيه:
قال عنه المحقق الآخوند الخراساني: «..جناب مدار الشريعة، صفوة الفقهاء والمجتهدين ثقة الإسلام والمسلمين العالم العامل آغا ميرزا محمد حسين النائيني الغروي..».
قال تلميذه الشيخ محمد رضا المظفر في بعض مذكراته: «كان الشيخ النائيني في عصره أوثق العلماء عند أهل العلم والورع، ومن الناحية العلمية كان هو الأول الذي لا يخطر بأحد مساواته بغيره».
قال عنه العلامة حرز الدين: «..العالم الجليل المدقق، صاحب التنقيب والتحقيق، أصولي فقيه، له الآراء السديدة في علمي الأصول والفقه..»
وفاته :
اعتل الشيخ النائيني(قد) في أواخر عمره فكان يعاني من آلام المرض مدة حتى توفّي عصر يوم السبت السادس والعشرين من جمادى الأوّل 1355هـ ق بمدينة بغداد ونُقل إلى النجف الأشرف، وغسّله آية الله الشيخ علي الزاهد القمي، ثم شُيِّع جثمانه تشييعاً مُهيباً، وصلى عليه المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني(قد) ودُفن في مقبرة أستاذه المحقق الفشاركي(قد) في الصحن العلوي المطهّر حجرة رقم 21 .
وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف – واحة
برچسب ها :
ارسال دیدگاه




