هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

الحوزة الدّينيّة المعاصرة في لبنان إسهامات في تعزيز اللغة العربيّة وآدابها

□ مقالة/ الجزء الثاني

الحوزة الدّينيّة المعاصرة في لبنان إسهامات في تعزيز اللغة العربيّة وآدابها

□ د. حسن محمد إبراهيم

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة،  بل تعبر عن رأي أصحابها
▪ تدريس اللغة العربيّة وتشعّباتها في الحوزات العلميّة
بعد النظر في واقع الحوزات في لبنان في الوقت الراهن، نجد منهجَيْن معتمدَيْن في تدريس العلوم الدّينيّة، منهج يعتمد نظام المقررات، حيث يراه البعض أنّه المنتج والأفضل، وهو باقٍ على أصوله من حيث التّدقيق والتّمحيص والرّجوع إلى الدرس البحثيّ التّدقيقيّ والغوص في العمق، ومنهج آخر يعتمد نظام السنوات الدّراسيّة، تماشيًا مع التطور العلمي والمنهجيّة الحديثة مشابهًا لما هي عليه الجامعات الأكاديميّة. فيما خصّ المنهج الأول، وهو الأغلب من حيث اتباعه في معظم تلك الحوزات، الذي يتّبع التقليد السّابق في نمط التّدريس، فيعتمد على الانتهاء من المتن المقرر بنجاح لترفيع الطالب إلى مقرر أعلى منه مستوى، وقد تلجأ بعض الحوزات إلى اعتماد نظام المقررات المقترن مع السنوات الدّراسيّة، سواء بالمقدمات أو السطوح الأولى أو الثانية، كما هو حاصل في مركز الدراسات الإسلامية لفقه أهل البيت(علیهم السلام) أما المنهج الثانيّ، فيعتمد السّنوات الدّراسيّة للترفيع، وذلك بتقسيم المادة على سنوات دراسيّة محددة، فيلتزم الطالب بوقت دراسي محدد من أجل الانتهاء من منها، وهذا ما هو حاصل في حوزة الرّسول الأكرم(ص)، بعد تحويلها إلى فرع من فروع جامعة المصطفى(ص) العالمية، وهي جامعة أكاديمة حديثة نسبيًّا، تأسست منذ ما يقارب 15 سنة في إيران، وكانت محصّلة دمج مؤسستين تعليميتين كبيرتين تُدرّسان العلوم الدّينيّة، هما “المنظمة العالمية للحوزات خارج إيران” و”مركز العالم الإسلامي للعلوم الإسلاميّة (مركز جيهاني)”. من ناحية أخرى، يرى القيّمون على الحوزات أن اللغة العربيّة في الحوزات الدّينيّة هي في موقع متقدم، وذلك لضرورات الدّراسة، فلا يمكن دراسة كتاب “اللمعة الدمشقيّة” بما يحتوي على سبك عميق، في حال لم يكن الطالب على دراية وعلم وافيَيْن لذلك، وهو بحاجة إلى تخصّص في اللغة العربيّة لإمكانية شرحه أو فهمه. وتأتي العناية باللغة العربيّة في الحوزة الدّينيّة بالدرجة الأولى، من أجل فهم النصوص، وأما إيصال الفكرة للناس فغير مرتبط بالقواعد اللغويّة، سواء النّحوية أو الإعرابية بشكل مباشر، وذلك بحسب مستويات الفكر لدى العامة، وقد يلجأ العالِم إلى اعتماد اللغة العاميّة أحيانًا في إيصال فكرة ما، لكونها تتناسب مع الفئة المنويّ مخاطبتها أو لمناسبة الخطاب، مع إمكانيّة تدنّي عناية الطلاب باللغة العربيّة عما كانت عليه سابقًا، وذلك بسبب الوصول إلى قواعد اللغة عبر الوسائل الحديثة. إنّ الدّراسة في الحوزة الدّينيّة لا سيّما في اللغة العربيّة هي دراسة عميقة وواسعة، وهي في موقع متقدّم وجيّد وتحافظ على مستواها العالي، ولا يوجد خوف عليها على الرّغم من وجود معاناة أثناء قبول الطلاب الجدد لما يعانونه من عدم اعتناء باللغة العربيّة أثناء مراحل الدّراسة المدرسيّة، لذلك تعيد الحوزة تدريس مبادئ اللغة العربيّة من منطلقاتها الأولى، وهي تختلف عن سواها من الصّروح العلميّة الأخرى التي تدرّس اللغة من أجل المعرفة، بل إنّ الحوزة تدرّس عمق اللغة ليصبح عالمًا بها. يرى المدير العام لحوزة الإمام الهادي(علیه السلام)، الشيخ ناجي طالب، أن سبب امتلاك الشيخ بعامة القوة في البلاغة يعود إلى أسباب عدة، منها حفظ أجزاء من القرآن الكريم، إضافة إلى حفظ العديد من الخطب والروايات والأحاديث المروية عن أهل البيت(علیهم السلام)، فهي تعطي الشيخ قوة في الفصاحة والأدب والبلاغة، كما يرى أن مضمون المقررات هو نفسه منذ مئات السنين، وقد جرت محاولات حثيثة لإعادة هيكلة كتب النحو ولم تفلح، فاستمرت على ما هي عليه. ويمكن تقسيم مواد التدريس باللغة العربيّة إلى قسمين، قسم يتعلق بالطلاب العرب، وقسم آخر يتعلق بالطلاب غير العرب.
▪ تدريس اللغة العربيّة بين الحاضر والماضي
إن لكل زمان ومكان أسلوبه وتقنياته المتماشية مع العصر، فيفيدان المراكز التّدريسيّة على تعدّد تخصّصها في إيصال المضمون والمفهوم إلى الطلاب، ومنهم إلى المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن هنا يمكن اعتبار أن الأسلوب التّدريسيّ السّابق لم يعد يتناسب مع التطور الحاصل في العالم، إن لجهة العلوم أو لجهة التقنيات، ما يؤثر بشكل أو بآخر على المستوى التفكيريّ والعلميّ للطلاب، باعتمادهم بعض التقنيات كالحاسوب وشبكات التّواصل والاطّلاع على كلّ جديد علميّ. إنّ هذا التطور الحاصل لا يشكل تغييرًا في مضمون اللغة العربيّة، منذ أن كانت عليه في القِدَم وصولاً حتى يومنا هذا، فلا تزال القواعد الإعرابيّة راسخة كما كانت، كذلك الإملاء والبلاغة، مع إمكانية دخول مصطلحات جديدة تبعًا للتقدم الحاصل تأتي من خلاصة علوم مشتركة في ما بينها كالكيمياء والفيزياء، وعلوم الطب، والجيوسياسية، والجيوستراتيجية وما إلى ذلك من علوم جديدة.
إن التطوّر الحاصل لا يحول بين الارتباط الوثيق للّغة العربيّة بقواعدها الإعرابية وفهم النص في المواد التّدريسيّة المتعدّدة، كالضمائر في بعض العبارات في مادة الفقه ليستخلص منها الحكم الفقهيّ. يجد العديد من القيّمين على التعليم في الحوزات، أنه يصعب نظم الأحكام الشّرعيّة شعرًا، كما كان النظم سابقًا إلا ما ندر، وذلك لعدم توفّر الفقيه الشاعر الذي يعطي وقتًا لذلك النظم، حتى وإن برز عالم أو اثنان فهذا لا يعطي طابعًا عامًّا لذلك، في حين أن مضمون الأحكام يمكن إيصاله بطريقة الشّرح الميسّر مع الاستحصال على النتيجة المرجوة من ذلك.
▪ تدريس اللغة العربيّة للطلاب الناطقين بها
تأتي اللغة العربيّة في طليعة لغات التدريس المعتمدة ضمن الحوزات الدّينيّة في البلاد العربيّة، وقد تكون هي اللغة الوحيدة في تلك الحوزات، بعد اعتماد المقررات والمتون المكتوبة بهذه اللغة، وإذا ما نظرنا إلى الحوزة الدّينيّة في لبنان نجد أن هذه اللغة هي الوحيدة المعتمدة، إن من حيث القراءة، أو الكتابة، أو الشرح، أو حتى المتون المعتمدة فيها. يوجد تشابه كبير في مقررات مادة اللغة العربيّة والبلاغة بين الحوزات اللبنانيّة، وهي موزّعة بين النحو الواضح، وقطر الندى، وشرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، مع إمكانية دخول بعض الموادّ الأخرى المتنوّعة بين حوزة وأخرى. فعلى سبيل المثال، تعتمد أغلب الحوزات نظام المقرر حتى اختتامه بشكل تامّ، أمّا الموادّ المعتمدة في تدريس اللغة العربيّة فهي:
النّحو الواضح: يُدرّس لمدة 6 أشهر تقريبًا، وهي مدة طويلة نوعًا ما، من أجل إعداد طالب متمرس باللغة العربيّة، ولكي يصبح مؤهّلًا للموادّ اللاحقة ضمن المضمون نفسه كقطر الندى، وشرح ابن عقيل، أو شرح ابن الناظم.
دورة إملاء عربيّة تختصّ ببعض القواعد الإملائيّة والإعرابيّة، كقواعد كتابة الهمزة بحالاتها المتعدّدة.
شرح قطر النّدى وبلّ الصدى: يُدرّس لمدة 8 أشهر تقريبًا، مع تطبيق عملاني مكمّلًا لما كان قد حصّله في المقرر السّابق.
شرح ابن الناظم أو ابن عقيل لكتاب ألفية ابن مالك: يُعْتمد أحد المقرَّرَين وفق ما يطلبه الطلاب بالتنسيق مع الإدارة والأستاذ، بما هو عليه واقع الطلاب في اللغة بعد الانتهاء من المرحلة السّابقة، وتستمر الدّراسة في أحد هذين المقرَّرَين لمدة سنة ونصف.
من الجدير ذكره، أن شرح ابن الناظم يعدُّ أشدّ صعوبة من شرح ابن عقيل لاحتوائه الكثير من العقليات، ولكن هذا لا يقف عائقًا أمام تدريسه، بعد النظر في مستوى الطلاب من حيث اكتسابهم علوم اللغة العربيّة ومدى التفاعل معها، في حين أن كتاب شرح ابن عقيل يرتكز على النحويات.
ويمكن اعتماد كتاب “الآجرومية“، وبعض الأبواب من كتاب “مغني اللبيب“، وكتاب “شذا العرف في فن الصرف“في بعض الحوزات. إضافة إلى تلك المواد، هناك متون تتعلق بالبلاغة، وهي:
▪ البلاغة الواضحة/ جواهر البلاغة، مختصر المعاني للتفتازاني
بعد الانتهاء من متن شرح الألفية، إضافة إلى الدّورات التّخصصيّة بالصّرف، يكون الطالب قد أنهى مادة اللغة العربيّة بمدة ثلاث سنوات ما يجعل منه متمرّسًا بها وضليعًا بعلومها. في حين تضيف حوزة الرسول الأكرم(ص)، بعض كتب التّدريس في اللغة العربيّة، ككتاب “مبادئ اللغة العربيّة”، الجزءين الثاني والرابع. وتتوزع هذه المواد على مدى السنوات الدّراسيّة الأولى لمرحلة الإجازة، كما يمكن تدريس كتاب “قطر الندى” أو غيره للطلاب الذين يرغبون بدراسة خاصة في اللغة العربيّة، وذلك باختيارهم مع إرشاد اللجنة المعنيّة، بعد التشاور في العناوين والموضوعات والكتب المنوي دراستها. ومن طرق فرض إتقان اللغة العربيّة على الطلاب، لجأت بعض الحوزات إلى دراسة كل ما كُتب عن اللغة العربيّة من أجل يصبح الطالب عالمًا بها، وهو ما تعتمده حوزة الإمام علي(علیه السلام)، كما تعتمد الحوزة نظام المقررات في الترفيع وليس السنة الدّراسيّة، وهو متقارب مع منهج حوزة النجف. تعمل الحوزة على إبقاء العلم كعلم قائم بذاته، وبالتالي يمكن لأيّ طالب حوزويّ أن يصبح أستاذًا في النحو. وقد ألزمت طلابها بمشروع كتابة الأبحاث المتنوعة، بما فيها تلك التي تتعلق بأصول اللغة العربيّة تحت إشراف المديريّة التعليميّة في الحوزة. ويلتزم طلاب حوزة الإمام علي(علیه السلام) النطق باللغة الفصحى أثناء الحصص الدّراسيّة بعيدًا من اللغة العامّية، بالإضافة إلى المضمون من حيث الكتابة والبحث، كما حافظت الحوزة على تقاليدها الثقافيّة العربيّة وموروثاتها، وتعدُّ من أكثر الحوزات تشدّدًا من حيث المادة والمضمون. من جهة أكاديميّة أخرى، فإنّ حوزة الرّسول الأكرم(ص) - جامعة المصطفى(ص) العالمية - تعمل على فتح مرحلة الماجستير في اللغة العربيّة لحملة الإجازة في اللغة العربيّة، أو للمتخصّصين من علوم أخرى بعد إجراء سنة تحضيرية.
قد يبدي البعض تخوّفًا في المدارس الدّينيّة من اتّباعها نظام الدراسة الجامعي الأكاديمي، لذا حاذرت جامعة المصطفى من هذه النقاط، وأهم ما يمكن الخوف منه هو التلقين، بأن يكون المحور هو الكتاب، والمتن الدراسي لا العلم، وعدم شيوع النزعة البحثيّة، لذلك عملت الجامعة على تعزيز المستوى البحثيّ لدى طلابها منذ السّنة الدّراسيّة الأولى، فهي تفرض على طلابها بحثًا علميًا متكاملًا بين اللغة والمضمون، لبعض المواد الدّراسيّة في كل فصل دراسيّ، لتدريبهم على كتابة بحث التّخرج في مرحلة الإجازة، ومن ثَم كتابة رسالة التخرج في مرحلة الماجستير التي تُعدُّ شرطًا للتخرج، وهذا ما يفيد في اتقان اللغة العربيّة قراءة وكتابة ومضمونًا، إضافة إلى إمكانية إعداد عدد من الطلاب ليكونوا أستاذة باللغة العربيّة ومدرسين لها. ومن الأمور المخيفة لدى الحوزات، أن تأتي السّقوف الزّمنيّة على حساب المتون الدّراسيّة، فيأتي الترفّع إلى السنة الدّراسيّة التالية على حساب البناء الفكريّ والعلميّ المتين للطالب، بالتالي تزيل الخشية من أن توجِد هذه المنهجية مثقّفًا لا متخصّصًا، ومُبلِّغًا متعلّمًا لا عالمًا. وقد نجحت جامعة المصطفى(ص) من دمج السّقوف الزّمنيّة التي لا بد منها في مراحل التدريس مع المتون الدّراسيّة، كي لا يقع الطالب في آتون المادة سنوات طويلة على حساب المتون التالية في المرحلة اللاحقة، فكان تقسيم السنوات الدّراسيّة متناسبًا مع مضمون المتون ومراحل الترفيع. وفي ما يتعلق بالمتون الدّراسيّة في مادة اللغة العربيّة، ففي كلا المنهجين، هناك مواد التدريس متقاربة جداً من حيث المضمون، لا بل قد تكون هي نفسها في معظم الحوزات.
▪ تدريس اللغة العربيّة لغير الناطقين بها
استطاعت الحوزة في لبنان استقطاب طلاب غير عرب وتدريسهم العلوم الدّينيّة على مدى عقود من الزّمن، بما في ذلك من جهد وعناء في أن يستطيع غير العربي من الانخراط في الحوزة ودراسة المتون باللغة العربيّة، وهو أمر شاق على الطالب والحوزة في آن معًا، وأتت نتيجة التّجارب والخبرة المتواصلة والعمل على تحسين مستوى الأداء، من أن يتابع هذا الطالب غير العربي الدّروس الحوزويّة، لا بل أن يبرع فيها وينافس في بعض الأحيان الطلاب العرب في تلك المتون، وهذا ما يسجلّ بادرة متميّزة لبعض الحوزات في لبنان على هذا الصعيد، ومن خلاله وبشكل تلقائي تُدرّس اللغة العربيّة ونشرها عبر الطلاب، غير أن العديد من هذه الحوزات ولأسباب وظروف خاصة لم تعد قادرة على استيعاب هؤلاء الطلاب.
ومن الحوزات التي لا تزال تستقبل هؤلاء الطلاب، حوزتان مشهورتان في هذا المضمار، هما حوزة الرسول الأكرم(ص) في بيروت، وحوزة بقية الله الأعظم(عج) في منطقة النبطية جبل عامل/ جنوب لبنان، في القسم المعني بهذا الشأن والذي أطلق عليه تسمية معهد بقية الأوصياء(عج)، أكبّ على تدريس الطلبة لغير الناطقين باللغة العربيّة.
الجدير ذكره، أن الحوزات الدّينيّة في لبنان، تدرّس المواد العلميّة كافة باللغة العربيّة، سواءً للناطقين بها أو لغيرهم، من دون اعتماد أي مقرر فيها بغير هذه اللغة، حتى وإن اقتضى تدريس بعض المواد لمؤلفين غير عرب فإنها تُترجم ويُعلق عليها، مع السّعي الدائم لجعل هؤلاء الطلاب يتأقلمون بواقع اللغة العربيّة والتمرّس بها من خلال القراءة أو الكتابة أو الخطابة.
ينتمي الطلاب غير العرب إلى جنسيات عالمية متعدّدة، يمكن إدراجها في خانة القارّات العالميّة الخمس.
مع بدايات استقبال الطلاب غير العرب، لم يكن هناك برنامج تدريسيّ واضح المعالم، فكان التدريس يحصل بشكل عفوي دون تخطيط، ما جعل منه تجربة صعبة سواء على الإدارة والطلاب معًا، عملت الحوزة بعدها على لجم الثغرات المتأتية من منهجية التدريس وموادها، وباشرت باعتماد برامج تعليميّة في اللغة العربيّة لغير الناطقين بها تتناسب مع فهم الطلاب لها، تبدأ مع لحظة استقبال الطالب حتى مرحلة التخرج، بما يجعله متمكنًا منها، سواء من حيث الكتابة أو من حيث القراءة أو من حيث الخطابة، وبما يتشعب عنها من فنون كالقواعد والنحو والأدب والبلاغة. وبعد سلسلة مراجعات ودراسات من إدارة حوزة الرسول الأكرم(ص)، اعتمدتْ سلسلتين تعليميتين، هما:
سلسلة “كنوز“: في اللغة العربيّة وقواعدها، وهي على 6 مستويات، ومعتمدة في العديد من البلدان التي تدرّس اللغة العربيّة.
سلسلة “العربيّة بين يديك“: وهي بمستوى أعلى من الكنوز، وعندما وجدت الحوزة أنها تتضمن نصوصًا لا تتوافق مع منهجها، عملت على تعديلها وفق الإطار العام لمنهج الحوزة الدّينيّة.
في بداية مرحلة الدراسة لغير الناطقين بالعربيّة، يأتي تدريس الأحرف الأبجدية العربيّة ومخارجها مع رسم الحروف، باعتماد حرف أو أكثر في كل درس تطبيقيّ، إضافة إلى تطبيقات رسوميّة بدائيّة لتعريف الطالب على بعض المعاني المتداولة في الحياة اليومية، وقد شكلت “سلسلة كنوز” المدماك الأول لهذه الدروس، فهي تأتي بشكل مبسط جدًا، يسهل على الطالب الأجنبي التأقلم معها، وفهم الحروف والكلمات ومعانيها. عند الانتهاء من تدريس هاتين السلسلتين، يكون الطالب قد أصبح مؤهلًا لدراسة مختلف المواد الحوزوية باللغة العربيّة، فيتابع النّظام التّدريسيّ المعتمد في الحوزة. وبعد الانتهاء من المستويين السابقين، ينتقل الطلاب غير العرب إلى الدروس العربيّة المتخصصة،  في كتاب “مبادئ العربيّة” بجزءين:
مبادئ العربيّة: الجزء الثاني./ مبادئ العربيّة: الجزء الرابع.
بعد دراسة معمّقة للعديد من الكتب ذات الموضوع نفسه، بالإضافة إلى الأجزاء الأربعة من كتاب المبادئ، وجدت معاونية التعليم في الحوزة أن الجزءين الثاني والرابع هما الأنسب للتعليم، اللذَيْن يتكيّف معهما الطالب غير العربي، من حيث المضمون والأسلوب وسهولة إيصال اللغة العربيّة إلى الذهن. كذلك يُدّرّس تطبيق إعرابي، من غير اعتماد كتاب محدد في هذا الموضوع، يأتي من خلال تطبيقات عامة مختلفة، بين إعراب آيات قرآنيّة أو أبيات شعريّة أو نصوص أدبيّة.
الجدير ذكره، أنّ كلتا الحوزتين - حوزة الرسول الأكرم(ص) وحوزة بقية الأوصياء(عج)- تعتمدان نظام الفصل بين تدريس الطلاب العرب وتدريس الطلاب غير العرب، بسبب طبيعة اللغة وحفاظًا على خصوصية كل منهم تبعًا لنظام الدراسة المعتمد في كل بلد، مع الأخذ بالحسبان البيئة المجتمعية المختلفة بين هاتين الفئتين من الطلاب. وهناك أيضًا مادة تحليل نصوص أدبية، إضافة إلى مادة البلاغة الواضحة. وفي موازاة هذا البرنامج التّدريسيّ، يُدَرسون المواد الحوزويّة الأخرى، كالفقه والأصول والمنطق والعقائد وغير ذلك، وتدرّس كل تلك المواد باللغة العربيّة. يجري التواصل بين هؤلاء الطلاب باللغة العربيّة الفصحى في حال كانوا من دول متعدّدة، كذلك حالهم في التواصل مع الأساتذة والطلاب العرب، حتّى إنّ اللبنانيين يتواصلون بالطريقة نفسها مع الطلاب غير العرب، مع إمكانيّة تصحيح اللغة المنطوق بها من حيث الإعراب أو المعنى، وهناك إمكانية لاعتراض الطلاب على الأستاذ في حال اعتماده اللغة العامّيّة أثناء شرح الدرس، أو الحديث معهم. أما بالنسبة إلى حوزة بقية الأوصياء(عج)، فقد اتبعت نظامًا خاصًّا بها، استخلصته بعد عدة تجارب في سنوات دراسيّة عديدة، يقوم بداية على مرحلة “الاستقدام والتصنيف”، يبدأ في مرحلة ما قبل استقبال الطلاب غير العرب في المعهد، وتتضمن هذه المرحلة ثلاث خطوات:
تقييم مستوى الثقافة العامة لدى الطالب، عبر استمارة معدّة لذلك.
امتحان في النحو.
مقابلة شفوية.
بناءً على التقييم السّابق، يُفرَز الطلاب إلى ثلاثة مستويات. وفي حال معرفة بعض الطلاب باللغة العربيّة، يُنقلون إلى الدّراسة الحوزويّة مباشرة بما تتضمن من مواد ومتون تدريسيّة. ويجري تقسيم الدروس في المرحلة التّدريسيّة الأولى، لإتقان الطالب اللغة العربيّة إلى حلقة صباحيّة وحلقة مسائيّة. تتضمن الحلقة الصباحيّة أربع حصص، هي:
مشاهدة الصورة والفيديو: يجري عرض صورة ما، مع تسجيل صوتي متكرر لمضمون الصورة، بالإضافة إلى مشاهدة رسوم متحركة مقترنة بالصوت، وهي الحروف وبعض الصور، وذلك من أجل توضيح رسم الحرف مع لفظه، أو توضيح صورة ما مع اللفظ والكتابة، وقد تُمَرر بعض الأناشيد باللغة الفصحى، من أجل اكتساب بعض الكلمات والعبارات التي تستقر في الذّهن مع التكرار.
لقد تتكرر هذه الخطوة لغير مرة في الحصة الدّراسيّة نفسها، من أجل معرفة الطالب للأحرف والصور وبداية النطق بالكلمات.
مبادئ النحو: تشمل قراءة الصور، من حيث قراءة الحرف والكلمة بشكل سليم.
الإملاء والإنشاء الكتابيّين، وذلك لتمرين الطالب على الكتابة والتعبير.
القراءة والمحادثة بالفصحى.
أمّا الحلقة المسائيّة فتتضمن:
قرآن كريم: تعلّم قصار السّور، وتهدف إلى تعلّم القراءة السّليمة ورسم الكلمات ومعانيّ الآيات.
تطبيقات محادثة وكتابة خطية.
بالإضافة إلى تلك الحصص، هناك مرحلة تمهيديّة تدريسيّة تشمل المواد الآتية:
فقه مبسط./ 2) عقيدة مبسطة./ 3) سيرة مبسطة./ 4) ولاية الفقيه./ 5) النحو الواضح الابتدائي.
تمتد هذه المرحلة الدّراسيّة على مدى سنتين ليتمكن بعدها الطالب من القراءة والكتابة والتعبير بلغة سليمة تؤهله لمتابعة الدروس الحوزوية المعتادة في مرحلتي المقدّمات والسطوح، وينبغي أن تكون نسبة النجاح فيها 16/ 20 من أجل الترفيع، ومن لم ينل هذا المعدّل يُعتَذر منه على عدم القبول لمتابعة الدراسة الحوزوية.
▪ الخاتمة
يُعِدُّ البعض أن خُمس المؤلفين الناجحين في العالم الشّيعي هم من أهل جبل عامل، لما تميّزوا من علم وبلاغة وتأليف ونشر، ولما حازت مؤلفاتهم التّدريسيّة من أهمّيّة في العالم الإسلامي كاللمعة الدّمشقيّة للشهيد الأول، ووسائل الشّيعة للحر العاملي. ويُعِدُّ بعض العلماء في لبنان، أن الحوزة العلميّة في لبنان أفضل من الحوزة في قم والنجف من حيث المجموع العام للتقديمات، بما تشمل الرعاية التربوية والمادية، أما من الناحية العلميّة فهي متساوية مع كلتي الحوزتين. في حين يطلب السيد علي حجازي من الآخر أن ينظر إلى الحوزة لمعرفة ما يكون فيها، وما تعتمده من مناهج تعليميّة قبل أن يحكم عليها، لأنه قد لا يرى أمامه إلا الشيخ الضعيف، فينسى أن الحوزة هي تراث علميّ تفسيريّ عقائديّ فلسفيّ، كما يرى في الوقت عينه أن الحوزة بحاجة إلى إعلاميّ ليظهرها على حقيقتها، بما تحتوي من هالة علميّة كبيرة، لأنّ ما تتضمنه من مواد في اللغة العربيّة ومن منهج تدريسيّ يجعلانها من المعاهد المُهِمَّة التي تدرّس اللغة العربيّة، وما تحتويه غير متوافر في العديد من الجامعات على هذا الصعيد. وبما أن واقع اللغة العربيّة هو في مستوى رفيع، لذا من الصعوبة أن تميل نحو التقهقر، كون العناية بها لا تزال قائمة، والحفاظ على المستوى الرفيع لا يزال قيد العمل الجاد، وعليه لن يكون هناك تراجع في المستوى إن في المضمون أو الأسلوب. أما على صعيد المشكلات التي تعترض دراسة اللغة العربيّة، فتبدأ من موقعها في اهتمام الناس بها، حيث إنها لم تعد موضع أولويّة لديهم، نظرًا للاعتقاد أنّ التطوّر العلميّ ينحو نحو اللغات الأجنبيّة لا سيّما الإنكليزية منها، في العديد من التخصّصات العلميّة العالية، كالطبّ والهندسة وعلوم الحياة وغيرها، حتى في العلوم الإنسانيّة بات الاعتماد على نظريات علماء الغرب أكثر منه على النّظريات الإسلاميّة، وقد انتشر هذا المفهوم منذ سنوات الدراسة الأولى للطلاب في لبنان، وتكرّس في المرحلة الثانوية منها، كما أن المحفزات المقَدّمة لأستاذ مادة اللغة العربيّة غير كافية، مقارنة مع ما يقدمه في سبيل إعلاء شأن هذه اللغة، فعمله بات كإحياء الموتى.
من ناحية أخرى، يميل الاعتقاد الشّعبيّ إلى أنّ التفقّه باللغة الأجنبيّة هو أكثر عَصْرنة أو أكثر تطورًا من الناحية الاجتماعيّة، لذا ينطق جزء غير يسير من عامة الشعب ببعض المصطلحات الغربية، أثناء السلام أو اللقاء أو الاستفسار أو حتى في سياق حديث عملي، وهذا الأمر قد دخل فضاء الحوزة عن غير قصد، ومن هنا بدأت الثقافة الغربية بالدّخول إلى عرين اللغة العربيّة. ومن أجل ترسيخ اللغة العربيّة لتصبح ملكة داخل نفس كل من يدخل الحوزة، ينبغي العمل على إقامة جلسات مناقشات وحوارات دائمة حول هذه اللغة، بما تتضمن من نصوص أدبية وقواعد تتعلق بها.
المصدر: مجلة أوراق ثقافیة / www.awraqthaqafya.com

برچسب ها :
ارسال دیدگاه