الوحدة الإسلاميّة في مواجهة التحديات؛ النّجف الأشرف نموذجاً
الوحدة الإسلامية في مواجهة التحدّيات (النجف الأشرف نموذجاً)كتاب من تصنيف القاضي الشيخ يوسف محمّد عمرو، نشرته دار المنهل اللبناني ببيروت، ويقع في 247 صفحة. والمؤلّف أحد تلامذة الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر المتوفّى سنة 1400 ه، وقد أهدى الكتاب إلى روح أُستاذه.
وذكر أنّ اسم الكتاب كان سابقاً «الوحدة الإسلامية في مواجهة التحدّيات»، وقد كان مجموعة مقالات كتبت خلال أربعة عشر عاماً في عدّة مجلّات صادرة في بيروت، غير أنّ ما حدث في العراق كان الهاجس الأكبر والهمّ الأعظم لكلّ مسلم غيور على الوحدة الإسلامية، فكانت المقالات الحالية للمؤلّف حول النجف الأشرف وماضيه وحاضره ومستقبله، ومواقف مراجعه الأعلام من الوحدة الإسلامية، ومحاربتهم للغزو الثقافي والانحلال الأخلاقي لقوّات التحالف الغازية لأرض الرافدين.
والكتاب يقع في ثلاثة حقول: النجف الأشرف، تأمّلات وأفكار وحدوية مشفوعة بذكر بعض أعلام الوحدة الإسلامية في لبنان، الفكر الوحدوي عند الإمامين الخميني والخامنئي.
▪ یقول المؤلف
وفقني الله تعالى لإصدار كتاب تحت هذا العنوان عن دار المنهل اللبنانيّ بيروت. يتكلّم عن الإسلام والوحدة الإسلاميّة في مواجهة تحديات دول الإستكبار العالميّ والحركة الصهيونيّة في فلسطين واللوبيات الصهيونيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا والدول الأوروبيّة، ومواجهة ذلك بإتخاذ النّجف الأشرف ومراجعها الأعلام خلال ألف عام كأنموذج طيّب طاهر. من أيام مؤسس الحوزة العلميّة الإمام أبي جعفر مُحمّد بن الحسن الطوسي، عندما هاجر إليها مع عائلته وبعض طلابه في عام 448ه. الموافق لعام 1056م، هرباً من الفتنة الطائفيّة والحرب التي أعلنها الأتراك السلاجقة في بغداد على الشيعة بعد أن أحرقوا مكتبته ومنزله وأحياء الشيعة وبيوتهم في بغداد ولغاية أيامنا، أي أيام الإمام المجدد السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ. حيث واجه سماحته حملات التكفير والتطرّف التي قام بها بعض الجهلة والغوغائيين بإسم الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة. وبردِّ الحجر من حيث جاء مع مراعاة أن يكون الرّد على التكفيريين فقط دون سواهم مصداقاً لقوله تعالى: [مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى]. الإسراء، آية 15.
ولقوله تعالى: [وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ] سورة فصلت، الآية 34 35.
▪ آل كاشف الغطاء والوحدة الإسلاميّة
في هذا الكتاب كتبت أيضاً عن آل كاشف الغطاء، حيث نبغ منهم أكثر من خمسة وعشرين مُجتهداً من مراجعنا الأعلام خلال القرون الهجريّة الثلاثة الأخيرة وهي: الثاني عشر، والثالث عشر، والرابع عشر، ودورهم في الوحدة الإسلاميّة والوقوف في وجه الفتن الطائفيّة والمذهبيّة التي كانت تعصف بالعراق والعالم الإسلاميّ، وأعظمهم كان جدّهم الأكبر الإمام الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر المالكي النّجفي المشهور بكاشف الغطاء نسبة إلى كتابه الفقهي الكبير (كشف الغطاء). والمتوفى سنة 1227ه. الموافق لسنة 1812م. وقد جاء في ترجمته ما يلي:« وكان مقامه المرموق مؤثراً في تقريب السُنّة والشيعة في العراق وتركيا وايران، وكان أمراء آل عثمان يرمقونه بعين التعظيم والإكبار، وكان مُطاعاً مُعظّماً محبوباً، مراعى الجانب والقبول التام لدى الدولتين العثمانيّة والإيرانيّة. في عام 1221ه. اعتدى علي باشا والي بغداد على ايران وَجنَّد ثلاثين ألفاً بقيادة ابن أخيه سليمان باشا كهيا الكرجي الرومي فتجاوز بجيوشه من خانقين إلى شهرزور ومنها إلى بحيرة مريوان، فتلاقوا هناك واشتعلت نيران الحرب بينهما حتى انكسر عسكر العثمانيين وانهزم إلى حدود الموصل وبغداد عن ثلاثة آلاف قتيل، وأكثر منهم أسيراً وفيهم القائد كهيا المذكور.
فالتجأ علي باشا والي بغداد إلى شيخ الجعفريّة الشيخ جعفر النجفيّ، فقبل الشيخ التماسه وذهب إلى محمد علي ميرزا محافظ منطقتي كردستان وكرمنشاه شفيعاً للأسرى فقبل شفاعته فأطلقهم جميعاً ما عدا كهيا القائد وبعثه مُقيداً إلى السلطان فتحعلي شاه القاجاري. فأمر السلطان بحفظه وفك قيده، إلى أن تهيّأ الشيخ للسفر إلى طهران فوصل إلى السلطان مُكرَّماً مقبول الشفاعة فأخذه معه ورجع به إلى بغداد». وكان خاتمة من نبغ من هذا البيت الكريم، الإمام المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المتوفى سنة 1373ه. الموافق لسنة 1953م. والحديث عن هذا الإمام ومواقفه في تأييد الدولة العثمانيّة ضد الجيوش البريطانيّة والحلفاء في الحرب العالميّة الأولى وإصدار الفتوى مع سائر مراجع النّجف الأشرف بوجوب محاربة الجيوش الإستعماريّة الزاحفة إلى العراق عندما دخلت البصرة وجنوب العراق، وكذلك مواقفه المشهورة في ثورة 1920م. العراقيّة ضد الإستعمار البريطاني. وأمّا مواقفه في مؤتمر القدس عام 1931م. وعن لقاءاته مع علماء السُنّة في بغداد، ودمشق، والقاهرة، وبيروت، والهند وباكستان وغيرها فمعروفة ومشهورة. وتحتاج إلى تصنيف كتاب خاص بها.
▪ خاتمة الحديث
والآخرون من مراجع النّجف الأشرف الّذين تكلّمت عنهم، كانوا خيرَ مُمثل لمؤسسي الحوزة العلميّة في النّجف الأشرف، الإمام الطوسي والإمام كاشف الغطاء وهم: الإمام السيّد محسن الطباطبائي الحكيم، والإمام السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئي، والإمام الشهيد السعيد السيّد محمد باقر الصدر وابن عمه آية الله الشهيد السيّد محمد الصدر. وغيرهم من مراجعنا الأعلام.
كما أنّ مراجع الشيعة الإماميّة في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية وفي لبنان قد نهلوا من حوزة النّجف الأشرف ودرَّسوا بها وتخلّقوا بأخلاقها واستناروا بآرائها وكان أعظمهم الإمام السيّد روح الله الموسويّ الخميني مؤسس الجمهوريّة الإسلاميّة في ايران، وخليفته الإمام السيّد علي الحسينيّ الخامنئي، وكذلك القول عن مراجع الشيعة الإماميّة في لبنان كالإمامين السيّد محسن الأمين والسيّد عبد الحسين شرف الدين اللّذين حاربا الإستعمار الفرنسي ونفوذه في لبنان وسوريا وكذلك العلماء القادة كالمرجع الدينيّ العلاّمة السيّد محمد حسين فضل الله، والإمام السيد موسى الصدر، وآية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين ودورهم في الوقوف ضد الحرب الأهليّة في لبنان والمذهبيّة وتأييد الإنتفاضة الفلسطينيّة وسعيهم الدائم للوحدة الإسلاميّة.
وبعد، فخير مثال للنّجف الأشرف ودورها في المحافظة على الوحدة الإسلاميّة والوطنيّة في العراق والمحافظة على مكونات الشعب العراقي من مسيحيين وصابئة وغيرهم، هو الإمام السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ ومواقفه المشهورة في الحفاظ على وجود المسلمين السُنّة وأئمتهم في محافظات الجنوب والوسط، وهم أكثر من مليون مسلم وحرّم الإعتداء عليهم. وحرَّم على الشيعة في المحافظات المختلطة الثأر والإنتقام طالباً من السُنّة والشيعة وزعمائهم محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة العراقيّة والفَقر والجهل في المجتمع العراقي، وأمرهم جميعاً بتقوى الله تعالى والرجوع إلى القرآن الكريم والسُنّة الشريفة والإعتصام بحبل الله تعالى ومقاطعة البضائع الإسرائيليّة التي أدخلها الأمريكان إلى العراق. والإهتمام بالجاليات العراقيّة في العالم وتحصينهم ببناء مساجد ومؤسسات تربويّة لهم تمنعهم من الذوبان والضياع في المجتمعات غير الإسلاميّة.
وبعد هذا وذاك، نطلب إلى المرجعيات الكبرى والمؤسسات الإسلاميّة الكبرى في العالم الإسلاميّ، الإستفادة من سيرة وهدي مراجع النّجف الأعلام في الوحدة الإسلاميّة، محاربة التعصّب والتطرّف وفتح أبواب الإجتهاد في الفقه والأصول وفق القواعد الشرعيّة والعقليّة المعروفة ومحاربة الرشوة والفساد.
ونخصُّ بالذكر منهم الإمام السيّد عليّ الحسينيّ السيستاني، وسيّدنا الأستاذ الإمام السيّد محمد سعيد الطباطبائيّ الحكيم.
وكذلك الإقتداء بتجمع العلماء المسلمين من السُنّة والشيعة في لبنان، ومواقفهم النبيلة والتاريخيّة تجاه الإجتياح والنفوذ الصهيوني للبنان، ولسياسة الإستسلام منذ عام 1982م. ولغاية أيامنا هذه. حيث جمع هذا التجمع في رحابه أكثر من مائتي عالم من السُنّة والشيعة من أبناء جميع المحافظات اللبنانيّة. يؤمنون ويسعون دائماً لإصلاح ذات البين.
المصدر: مجلة إطلالة