
مذکرة
أهمية المناهج والأساليب في البحوث العلمية_سماحة السيد احمد المددي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن مسألة الأسلوب ليست جديدة، بحيث نستعرضها الآن، وجميع العلماء الذين هم من الطراز الأول، إلى الذين هم موجودون في وقتنا الحالي، لهم أسلوب خاص بهم. وفي الحقيقة لا يمكن لأي شخص أن يتناول البحث العلمي بدون أن يكون له أسلوبه الخاصّ به. والذي يدار الحديث حوله هو ما إذا كان هذا الأسلوب قد كتب من قبل أحد الأشخاص، وعن وعيٍ وعلم تمَّت كتابته أم لا. وأحياناً نجرد الأسلوب، وبإمكاننا أن نقول: إنّ العالم الفلاني في بحث الأسلوب لا يتناسب نمط بحثه مع البحوث الأخرى في المناقشة. فمثلاً: عوضاً عن علم الفقه يدلي برأيه بقاعدةٍ ما، وفي مكانٍ آخر يستعرض رواية، لذا نقول: إن هذين الأسلوبين لا ينسجمان مع بعضهما. إذاً العلماء الأعلام لهم اهتمامهم ببحث الأسلوب في كلّ فنّ من الفنون، شاؤوا أم أبوا. ويكون الاختلاف أيضاً في نفس هذا الأسلوب.
لقد بيَّنا الأسلوب في أربع مراحل، وقد جعلنا ذلك في تحليل الهدم والبناء، ووضعنا له اسم التحليل؛ لأن مجموعة من الأمور الفكرية هي عبارة عن الجسدية والاجتماعية والنفسية و…. ولها معنى أوسع من الحركة الفكرية وأمثالها.
المرحلة الأخرى هي مرحلة النقد والاختيار. وفي هذه المراحل، بغضّ النظر عن أن تكون مبتكرة أم لا، المهم أن تكون اختيارية؛ لأنه من الممكن أن بعض الناس يمتلك أحياناً جزءاً من الابتكار في مجال العلوم البشرية أو التكنولوجيا أو المعرفة، حيث إنها حالة إلهام، وتحصل عن غير شعور.
وقد كان هدفنا هو جعل هذا الابتكار يتمّ بصورةٍ من الوعي، ونخرجه من حالة اللاوعي. وكما يطلق عليه اليوم «توارد الخواطر». وكما يقال له في اللغة العربية: «الإبداع الذاتي»، أو الإلهام الداخلي. وندخله في نطاق العقل الواعي.
الأشياء المهمة الأخرى للتحليل هي الإحاطة التامة بأفكار القدماء؛ كي يمكن تحليلها. وكما يقول الشاعر: «انظر إلى ليلى بعيني المجنون». فيجب أن يضع الإنسان نفسه مكان الشيخ الطوسي، أو الشيخ المفيد، أو العلاّمة الحلّي أو الآخرين، بحيث يقول بكلّ ثقة: إذا كان العلامة الحلي موجوداً يقول نفس الكلام. وبما أن مبانيه كانت هكذا أو أن العلامة في مواضيع أخرى حيث لم يقل شيئاً، أو أننا لم نقرأه، بإمكاننا أن نفهم بناءً على القاعدة أن رأيه هكذا كان؛ لأن العلاّمة له هذا الأسلوب، وطبق هذا الأسلوب قد وصل إلى هذه النتيجة.
هذه المراحل الثلاث إنما هي مراحل تحضيرية، ونطلق عليها جميعاً مرحلة الهدم، بحيث إن مباني وكلمات العلماء الماضين تمحى وتنقل من مكانها؛ لأن كل إنسان يسعى في الزمان الذي يعيش فيه أن يطَّلع على ما قدّمه الماضون، ويزيد وينقص فيه. وفي مرحلة من المراحل يسعى بعض علمائنا في مجالات مختلفة أن يطّلعوا على كل ما كتب في الأزمنة السابقة، وفي الوقت ذاته إمّا يطَّلعون عليها أو يقومون بمطالعتها، والتمكّن من تحليلها وانتقادها. وبعد ذلك يستخرجون من مجموع ما تمّ مبانٍ جديدة، بحيث يكون لها إطار معين، ويوضّحون معالم هذا الفكر، والأطر المحيطة به، وحالات رفضه وقبوله.
والمرحلة اللاحقة، والتي تعدّ أهمّ من المراحل السابقة، هي مرحلة البناء، والتي لها أهمّية كبيرة.
مثلاً: ما قدّمه الشيخ الطوسي من فنٍّ في كتابه الفقهي المأثور (النهاية) هو أنه أعطى البحوث هذا الانسجام، بحيث لو أردنا الآن أن نقدّم فقهاً مأثوراً من الجائز أنّ بإمكاننا أن نغيّر مكان بعض فتاواه، أما البحوث الفقهية الروائية التي استعرضها والمتن الفقهي الذي استخلصه من متون الروايات فقد كانت نوعاً من الابتكار. ومع ما تقدّم فإن المهم هو أنه بالإمكان البناء بعد مرحلة الهدم.
وطبق هذه المراحل بالإمكان تصنيف الأشخاص. فمثلاً: يحصل صاحب الجواهر في توضيح آراء القدماء على 30%، وفي التحليل على 30%، وفي النقد على 40%.
والذي أقوله هو: لو أردنا أن نبتكر، بل لو فكرنا في تأسيس فقه جديد، يجب أن يكون للمؤسِّس القدرة الكاملة على الإلمام بكلمات السابقين، كالنبوة الخاتمة التي كانت على اطّلاعٍ كامل على جميع ما جاء به الأنبياء السابقون، وفهم كامل لها، وأيضاً بإمكانه أن يبحث العلاقات العلمية والاجتماعية والسياسية والفنية والثقافية، وله القدرة كذلك على تحليل الأطر التي قد بيّنتها المواضيع المبحوثة تحليلاً جيداً.
ودراسة الأطر هذه لها موضوعها الخاصّ بها، بحيث إذا أردنا أن نغيِّر المحتوى، ونبتكر شيئا جديداً، فبإمكاننا أن نضعه بنفس الإطار السابق، أو يجب تغيير الأطر وطريقة عرض البحوث. ومع ذلك يعتقد البعض، وأنا أيضاً كذلك كنتُ أتبنّى مدّة من الزمن نفس الاعتقاد، أن بإمكاننا تغيير المضمون، ولكنْ مع الاحتفاظ بالأطر. ويعتقد البعض الآخر بأن المضمون والقالب لهما تأثّر وتأثير مباشر، ولا يمكن أن يحتفظ بأحدهما ويغيَّر الآخر، كالشعر الحديث، حيث توصّلوا فيه إلى هذه النتيجة، وهي أن مضمونه لا ينسجم مع الشعر التقليدي.
لذا فإن التأسيس إنْ كان في الأصول أو في الرجال ودراية الحديث أو… يجب أن يكون بهذا الشكل، وهو أن نكون على دراية تامّة بأفكار السابقين، ويجب أن نتمكن من تحليلها، ومن ثمّ هدمها، وبعد ذلك نقوم ببناء جديد ومنسجم.
المصدر: التبلیغ.کوم
برچسب ها :
ارسال دیدگاه