
مقالة
معركة الطف الخالدة.. دروس وعبر لكل زمان ومكان
شفقنا العراق ــ تحمل واقعة الطف الخالدة من الدروس والعبر ما يصلح لكل زمان ومكان، فقد كانت أرض كربلاء شاهدًا على ملحمة مواجهة أهل الحق والتضحية والفداء مع أهل الباطل، في موقعة رسخت انتصار الحق وباتت القدوة المثلى في الكرامة والحرية والعدالة لكل جيل.
يزدان تاريخ الأمم والشعوب بمشاهد زاخرة، روت تلك الشعوب أرضها بالدماء، واقفة بوجه الطواغيت، مطالبة بحريتها مرة، ورافعة راية الحق منصورة مرة أخرى، ولكن من الصعب أن نجد في صفحات تاريخ الشعوب ثورة كالثورة الحسينية، وأبطالا شامخين برزوا للمنايا بغبطة وسرور.
التضحية من أجل قداسة الحق
فالقضية التي استشهد من أجلها الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه الأبرار(ص) هي قضية جليلة.. إنها قضية التضحية من اجل قداسة الحق الذي ثلم والإنحراف بالمبادئ باتجاه الخطيئة من قبل يزيد بن معاوية.
إن الدرس الذي يجب أن نأخذه من هذه الثورة هو درس القتال بين إثنين وسبعين مقاتلا أو يزيدون، اصطحبهم الإمام الحسين(ص) من أهل بيته وصحبه الأبرار الميامين وبين عشرين ألف فارس وهم جيش يزيد.. وما دار من قتال تجلى بالآلام والبطولات التي سطرها الثوار.
لقد كانت تضحية ومجداً قُرت بها عيون أمة الإسلام فيما بعد الثورة، لأن الحسين(ع) جعل الحق والحرية قيمة ومثوبة، فلم يهمه النصر العسكري، وقد ترجم ذلك شاعر العراق أبو الحب الكبير الشيخ محسن بن الحاج محمد (1810-1887م) (1225-1305هـ)، الكربلائي المولد والمسكن والمدفن، بالبيت المشهور على لسان الإمام الحسين(ع):
إن كان دين محمد لم يستقم
إلا بقتلي يا سيوف خذيني
وهو من قصيدة يائية في رثاء الإمام الحسين، من بحر الكامل الثاني، ومطلعها:
إن كنت مشفقة علي دعيني
ما زال لومك في الهوى يغريني
لقد وقفت الثلة المؤمنة وراء الحسين(ع)، ليس لهم في إحراز النصر على عدوهم أدنى أمل، وليس أمامهم سوى القتل بأسلحة عدوهم الغادر المتوحش، ولقد كانت أمامهم فرص النجاة التي عرضها قائدهم الإمام الحسين(ع) عليهم إذا هم أرادوها، ولكنهم رفضوها طالبين الشهادة والتضحية من أجل نصرة الحق وأصحابه، رفضوا النجاة ما دامت ستكون غمطاً لقداسة الحق وثلماً للشرف، وهكذا راحوا يتهافتون على ذهاب الأنفس، يقاتلون حول قائدهم الممجد في يوم العاشر من محرم عام 61هـ، يعانقون المنايا واحداً بعد واحد، وهم يصدحون: المبادئ الجنة.. المبادئ الجنة.
مشاعل على طريق الحرية
وبعد ظهيرة عاشوراء.. ارتفع رأس الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وصحبه الأبرار الميامين(ص) على أسنة الرماح إلى الكوفة، ثم الشام، لتكون مشاعل على طريق الحرية، ليس للمسلمين فقط بل للإنسانية كلها، وستبقى تلك المشاعل تنير الدرب لمن يريد أن يستنير بها ويضع أقدامه على طريق الشهادة والسعادة الأبدية، أو الانتصار والإطاحة بالظلمة والطواغيت أينما حلوا.
سيدي ومولاي يا أبا عبد الله؛ طبت وأهل بيتك وصحبك المستشهدون بين يديك، وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وكما قال صادق أهل البيت الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): موضع قبر الحسين(ع) من يوم دفن روضة من رياض الجنة.
فما أروع هذا الدرس من دروس الإنسانية، نأخذ منه العبر، فالدرس الحقيقي أن الحق هو المقدس، والتضحية هي الشرف، وهما ما يجعلان للإنسان والحياة قيمة ومعنى، في كل مكان وزمان.
دروس خالدة من واقعة كربلاء
العبر والدروس من واقعة كربلاء لا يمكن حصرها، ولكن يمكننا أن نقول أنها علَّمتنا ما يلي من الدروس:
الدرس الأول:
أن نثأر لله وحده، لا لانتسابات الأرض، وانتماءاتها، وعصبياتها، وصيحاتها، وجاهلياتها.
الدرس الثاني:
أن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام وحده، لا أن تبقى نظريات الإنسان، وحزبياته، وشعاراته، وزيفه.
الدرس الثالث:
أن ننتصر للدين، وللمبدأ، وللعقيدة، لا للعصبيات، والقوميات، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان، وأهواءه.
الدرس الرابع:
أن نحمل شعار القرآن.
الدرس الخامس:
أن نرفض الباطل، والزيف، والفساد، والضلال، وأن نرفض كل ألوان الانحراف الأخلاقي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي.
الدرس السادس:
أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين، وتواجه البغي والباغين، وتواجه الطغيان والطاغين، وتواجه الاستكبار والمستكبرين.
الدرس السابع:
أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون، ولا يتنازلون، ولا يسترخون، كقوله تعالى: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29].
ولا تعني المبدئية والصلابة أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين.
والإنسان المؤمن في حالات التصدي والمواجهة والصراع يجب أن يكون شديداً وحدِّياً وصارماً في موقفه مع أعداء الإسلام، وأعداء الحق.
نعم، حينما يحاور الآخرين، ويدعو ويبلِّغ يجب أن يكون مَرِناً منفتحاً شفّافاً.
وهنا نؤكد أنَّ المُرونة والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين لا تعني الاسترخاء في طرح الأفكار والقناعات العقيدية والمذهبية، والثقافية والسياسية.
ولا تعني الاسترخاء في طرح الحُجَج والبراهين، ولا تعني المساومة والتنازل، ولا تعني المجاملة الفكرية، أو المجاملة السياسية، أو المجاملة الاجتماعية، ولا تعني السكوت عن مواجهة الأفكار التي تتنافى مع المبادئ والقيم التي نؤمن بها، فالمرونة في منهجنا هي أسلوب متكامل في الحوار.
الدرس الثامن:
أن نعيش الصمود والثبات في مواجهة كل التحديات، التحديات الفكرية، والثقافية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية، والإعلامية.
الحسينيون الحقيقيون لا يعرفون الانهزام، والتراجع والتخاذل، والضعف والخور، فهم الثابتون الصامدون، الذين يملكون عُنفُوَان العقيدة، وصلابة الإيمان، وإباء المبدأ، وشموخ الموقف.
فالسائرون في خط الحسين(ع) هم الذين يحملون شعار الحسين(ع): لا أرَى المَوتَ إِلاَّ سَعَادَة والحَياةَ مَع الظالمينَ إِلاَّ بَرَمَا.
والسائرون على خط الحسين(ع) هم الذين يحملون شعار علي الأكبر(ع): لا نُبَالي أنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ.
والسائرون على خط الحسين(ع) هم الذين يحملون شعار العباس(ع): وَاللهِ إِنْ قطعتُموا يَميني إِنِّي أُحَامي أبداً عن دِيني وَعَن إِمامٍ صَادقِ اليَقينِ، والسائرون على خط الحسين(ع) هم الذين يحملون شعار القاسم(ع): المَوتُ فيكَ يا عَم أحلَى مِنَ العَسَل.
الدرس التاسع:
أن نكون المتدينين الحقيقين، وأن نكون الذين يملكون بصيرة الدين والعقيدة، وبصيرة الإيمان، والمبدأ، ونقاوة الانتماء، والالتزام، وأن لا نكون من أولئك الذين يحملون بَلادَة الدين والعقيدة، وغباء الإيمان والمبدأ وأن لا نكون النفعيِّين المَصلحيِّين المتاجرين بالدين، والمساومين على حساب المبدأ.
الإمام الحسين(ع) أوقف حَجَّه، وأعلن الثورة على يزيد، وذلك ليقول للمسلمين: أيّ قِيمَةٍ لطوافٍ حولَ بيت الله ما دام الناس يطوفون حول قصور الطغاة والظالمين.
وأيَ قيمة لتقبيل الحجر الأسود مادام الناس يقبِّلون الأيدي الملوثة بالجرائم.
وأيّ قيمة لركوعٍ وسجودٍ عند مقام إبراهيم مادام الناس يركعون ويسجدون عند أقدام السلاطين.
وأيّ قيمةٍ لسعيٍ وحركةٍ بين الصفا والمروة مادام الناس يعيشون الخنوع والركود، والجمود والاستسلام، والجور والضعف.
وأيّ قيمةٍ لتلبيةٍ إذا كان الناس مأسورين لنداءات الطواغيت والمستكبرين.
وأيّ قيمة لذكرٍ وتلاوةٍ وعبادةٍ إذا كان الناس يمجِّدون ويعظِّمون ويؤَلِّهون الجبابرة والفراعنة.
الدرس العاشر:
أن نكون إِمَّا الحسينيِّين الذي يعطون الدم من أجل المبدأ، أو نكون الزينبيِّين الذين يحملون صوت الحسين(ع).
فالحسين(ع) وشهداء كربلاء فجَّروا الثورة في يوم عاشوراء، وكان وقود هذه الثورة دماءهم الطاهرة.
المصدر: قادتنا كيف نعرفهم
برچسب ها :
ارسال دیدگاه