الشيخ حسين التميمي
(الأحوط وجوباً في الفقه الحوزوي: معناه ومقتضاه ومسؤولية المكلف)
إن مصطلح (الأحوط وجوباً) من المصطلحات الأصولية والفقهية الشائعة في الحوزات العلمية، ويظهر غالباً في الرسائل العملية للمراجع حين يكون الدليل الفقهي على الحكم غير تام من جهة الجزم والقطع، ولكن توجد قرائن قوية أو احتمالات معتبرة تجعل الاحتياط مطلوباً من المكلف بدرجة قريبة من الوجوب. فليس هو فتوى قطعية جازمة، ولا هو احتياط استحبابي يمكن تركه بسهولة، بل هو مرحلة وسطى بينهما، يُعبِّر عنها الفقيه حين لا يصل إلى درجة الاطمئنان التام بالفتوى، ومع ذلك يرى أنّ احتمال الوجوب قوي إلى حدّ لا يجوز معه ترك الاحتياط بلا مرجعية أخرى.
ومقتضى (الأحوط وجوباً) أنّ المكلّف لا يحق له أن يترك هذا الاحتياط ويعمل بخلافه إلا بأحد طريقين: إمّا أن يعمل بالاحتياط نفسه، فيأتي بالفعل المطلوب أو يترك المحذور كما ورد في العبارة، أو أن يرجع إلى مرجع آخر أعلم أو مساوٍ في العلم ممّن له فتوى جازمة في المسألة، فإذا وجد ذلك المرجع الآخر يفتي بالحكم بشكل صريح (وجوباً أو حرمة أو إباحة)، جاز له حينها تقليده في خصوص هذه المسألة فقط، ولا يحتاج إلى تبديل مرجعه كلّياً.
فالمراد من هذا المصطلح أنّ الشارع يريد من المكلف أن يحتاط حفاظاً على ذمّته الشرعية، وأن لا يُغامر باحتمال الوقوع في مخالفة تكليف واقعي ما دام الدليل لم يصل إلى درجة القَطع. ولذلك نجد هذا التعبير كثيراً في مسائل الطهارة والنجاسة وأحكام الصلاة والمعاملات، حيث تتعدد الروايات أو تختلف دلالاتها أو يكون في الجمع بينها درجة من الترجيح غير القاطع.
إذن المطلوب من المكلف عند سماع عبارة (الأحوط وجوباً): إمّا العمل بالاحتياط نفسه امتثالاً للورع وضماناً للبراءة، أو الرجوع لمرجع آخر صاحب الفتوى الجازمة. وبذلك يحفظ المكلف تكليفه الشرعي ضمن إطار الانضباط العلمي الذي تؤكد عليه الحوزات العلمية في منهج الاستنباط.
برچسب ها :
ارسال دیدگاه




