هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

المرجع الديني الشيخ محمد إسحاق الفياض عمق الفقاهة وسموّ الأخلاق

□ مقالة/ الجزء الأول

المرجع الديني الشيخ محمد إسحاق الفياض عمق الفقاهة وسموّ الأخلاق

الانتباه: الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي «الآفاق» بالضرورة،  بل تعبر عن رأي أصحابها
الاجتهاد: سماحة المرجع الشيخ إسحاق الفياض ليس مجرَّد باحث أو مفكِّر، أو صاحب فضيلة علمية، بل هو مرجعٌ ديني بارز في الساحة الدينية، وأستاذٌ ضليع في الفقه والأصول، يحتشد في مجلس درسه مئات الفضلاء، ويمتلك أعلى مقوّمات المرجعية والفقاهة والإفتاء، كما يحظى بثقة وتقدير مختلف الأوساط العلمية والدينية.
من أهمّ التحدّيات التي واجهتها الأمة الإسلامية في هذا العصر تحدّي التوفيق بين الأصالة والانفتاح؛ ذلك أن التخلف العميق الذي تعيشه الأمة في مختلف مجالات الحياة يقابله تقدُّم باهر أنجزته الحضارة الغربية. هذا التقابل أدّى إلى وجود تيارين في أوساط أبناء الأمة:
تيار يتبنى الانفتاح بلا حدود على الحضارة الغربية، دون أيّ تحفّظ على ما تحمله من قيم وثقافات، وما تمارسه مجتمعاتها من تقاليد وسلوكيات، وإنْ كانت مخالفة لقيم الأمة، وعلى حساب هويتها الدينية. وقد يذهب البعض في هذا التيار إلى تحميل القيم الدينية مسؤولية تخلُّف الأمة، وأن التقدُّم لن يتحقَّق إلاّ بالالتحاق بركب الحضارة المتقدمة قيماً وثقافة وأخلاقاً.
أما التيار الآخر فيدعو إلى الانغلاق على الذات، والقطيعة الكاملة مع الغرب، برفض جميع منتجاته، دون تصنيف أو تمييز؛ للحفاظ على الهويّة الدينية للأمة، وحماية قيمها وتراثها من الغزو الأجنبي، الذي يستهدف تدميرها والقضاء عليها.
وقد عانَتْ الأمة كثيراً من تداعيات وجود هذين التيارين؛ حيث قاد التيار الأول مسيرة الانبهار بالآخر، وإضعاف ثقة الأمة بذاتها وتاريخها وتراثها وقيمها الدينية السامية، وبثّ روح الهزيمة والاستسلام في أوساط الأمة تجاه حضارة زاحفة، تريد الهيمنة على مصائر الشعوب ومقدّراتها.
بينما عزَّز التيار الآخر واقع التخلف والانحطاط، بالتبرير له دينياً، ورفض أيّ تطوُّر وتجديد، وعدم مواكبة مستجدّات الحياة، مما ولَّد نفوراً من الدين في مساحة واسعة من أبناء الأمة الطامحين للإصلاح والتغيير، وأعطى الفرصة لتشويه صورة الإسلام، واتّهامه بالرجعية والتخلف.
كما أن الصراع بين هذين التيارين كلّف الأمة باهظ الأثمان والخسائر، وأضعف تماسك مجتمعاتها، واستقرار أوطانها.
وكانت الأمة بحاجةٍ ماسّة أمام هذا التحدّي الخطير إلى نهجٍ وسطي متوازن، يجمع بين الأصالة في الانطلاق من قيم الدين، ومبادئه الثابتة، وبين الانفتاح على تطوُّرات العصر ومستجدّات الحياة، ويستفيد من تجارب المجتمعات المتقدّمة، بدراستها والانتقاء منها.
هذا النهج المطلوب لا يقوم بعملية جمع تبرُّعي متكلفة، على حدِّ تعبير علماء الأصول، في معالجة موضوع الجمع بين مدلولات الأدلة المتعارضة، بل ينطلق هذا النهج الوسطي من فهم موضوعي لقيم الدين ومبادئه، التي أقرَّتْ شرعية الاجتهاد في استنباط مفاهيمه وتشريعاته، بما يستوعب تطوُّرات الزمن والمجتمع، ودعَتْ إلى النظر في سنن الطبيعة والحياة، واعتماد مرجعية العقل، والاستفادة من مختلف الآراء والتجارب والخبرات البشرية.
وبحمد الله تعالى لم تَخْلُ ساحة الأمة من هذا النهج الإصلاحي المنقذ، وإنْ كان محدود المساحة والتأثير، قياساً للتيارين الرئيسين. لكنّ التوقُّعات تشير إلى تقدُّم كبير لهذا النهج في المستقبل القريب. وقد بدأت إرهاصات صعود هذا النهج وتقدُّمه في واقع الأمة.
▪ الشيخ الفياض وعمق الفقاهة
من أهمّ إرهاصات تقدم نهج الإصلاح وجود فقهاء كبار، ومراجع دين بارزين، ضمن المؤسَّسة الدينية التقليدية، يتبنُّون هذا النهج الرائد، ومن هؤلاء الفقهاء العظام المرجع الديني الكبير الشيخ محمد إسحاق الفيّاض حفظه الله وهو فقيهٌ عصامي، وُلد سنة 1930م، لعائلةٍ فقيرة، تمتهن الفلاحة في إحدى قرى محافظة (غزني)، وسط أفغانستان، جنوب العاصمة كابُل.
بدأ رحلة العلم والمعرفة في منتصف العقد الأول من عمره، مستفيداً من الفرصة المتاحة في قريته، حتى منتصف العقد الثاني من عمره، حيث غادر إلى مدينة مشهد في إيران، وانضمّ إلى مدارسها الدينية، مدّةً وجيزة، ثم عزم على الهجرة إلى النجف الأشرف، حيث وصلها بعد عناءٍ شديد. واستقرّ فيها، وهو في الثامنة عشرة من عمره، وقطع مراحل الدراسة العلمية الحوزوية بجدٍّ وإتقان، حتّى أصبح من أبرز الفقهاء المراجع في النجف الأشرف.
ومَنْ يتابع بحوث الشيخ الفيّاض، ويقرأ كتبه العلمية، ويتأمّل فتاواه الفقهية، يجد فيها العمق العلمي، والأسلوب البليغ، والطرح المستوعِب لأطراف كلّ مسألة.
يظهر ذلك جليّاً في تقاريره لبحث أستاذه السيد الخوئي (محاضرات في أصول الفقه)، في عشر مجلَّدات؛ وفي كتابه (المباحث الأصولية)، الذي يقع في أربعة عشر مجلَّداً؛ وفي تعاليقه المبسوطة على العروة الوثقى، التي طُبعت في عشرة أجزاء. ومن كتبه المهمة: كتاب (الأراضي)؛ وكتاب (أحكام البنوك).
وما يهمّنا التأكيد عليه في هذا المجال أن فقه الشيخ الفيّاض يمثِّل أنموذجاً رائعاً للتوفيق بين الأصالة والانفتاح. فالممارسة الفقهية لدى الشيخ الفيّاض محكومة بالضوابط المقرّرة، وفي إطارها العلمي الدقيق، وبأدوات الصناعة المتداولة في البحث الأصولي والفقهي، لكنّها ممارسةٌ اجتهادية بامتيازٍ، حيث يبذل الشيخ الفيّاض قصارى جهده للتعامل مع الأدلة، بانفتاحٍ كامل، دون رهبةٍ أو تقيُّد بفهم السابقين.
وإلى جانب تفحّص الدليل، يجتهد الشيخ الفيّاض في مقاربة موضوع البحث؛ للوصول إلى التشخيص الواقعي للموضوعات في واقعها المعاصر، وصورتها الحاضرة؛ لأن المستجدّات والمتغيّرات في الموضوع تؤثّر في تحديد الموقف منه، وتطبيق العنوان عليه.
▪ دور المرأة بين تيّارين
وتأتي رؤية الشيخ الفياض لموقع المرأة في النظام السياسي الإسلامي أنموذجاً مشرقاً لممارسته الاجتهادية المتميِّزة؛ حيث أجاب سماحته عن خمسة وعشرين سؤالاً تفصيليّاً حول هذا الموضوع بفتاوى فاجأَتْ مختلف الأوساط، بما عكسَتْه من انفتاح عصريّ على قضيةٍ شائكة؛ إذ تبالغ الأوساط الدينية التقليدية في التحفّظ على دور المرأة السياسي والاجتماعي.
وتمثِّل هذه القضية مشهداً بارزاً للاشتباك بين تيّاري الانغلاق والانفتاح في الأمة؛ حيث يصرّ التيار الأول على حصر دور المرأة في وظيفة الزوجية والأمومة بين جدران منزلها، وتحت الهيمنة المطلقة لزوجها، دون الاعتراف لها بأيّ حقٍّ أو دور في شؤون الولايات العامة وإدارة المجتمع. ويتمسَّك هذا التيار بفهمٍ معيّن لبعض النصوص الدينية، متأثِّراً بالعرف السائد، والتقاليد المتوارثة.
بينما يتجاوز التيّار الآخر كلّ القيود والحدود الدينية؛ لمحاكاة التجربة الغربية في المساواة التامّة بين الرجل والمرأة، مع ما تحمله تلك التجربة من مساوئ ومفاسد، وخاصة على الصعيد الأخلاقي، وتماسك الكيان الأسري.
وعاشت الأمة في هذه القضية بين: إفراط التيار المحافظ؛ وتفريط تيار الانفتاح. وكانت أنظار الغيارى والواعين من أبناء الأمة تتطلَّع إلى رؤيةٍ شرعية عصرية، تنطلق من فهم أصيل لتعاليم الدين، ومعرفة موضوعية بمستجدّات العصر، وتطوّرات الحياة الاجتماعية.
 فلم يعُدْ مقبولاً في عصرٍ تتفاخر فيه المجتمعات بمشاركة كلّ أفرادها في إدارة شؤون حياتهم العامة، ويكون فيه الشعب مصدراً لكلّ السلطات، أن يُحْرَم نصف الشعب، متمثِّلاً في المرأة، من أيّ مشاركة سياسية واجتماعية.
وقد تأخَّرَتْ الاستجابة لهذا التحدّي من قبل فقهاء الإسلام طويلاً، ولا زال بعضهم متحفِّظاً تجاه هذه القضية، ومتمسكاً بالآراء التقليدية. لكنّ عدداً من الفقهاء المعاصرين خاضوا غمار البحث في الأدلة الشرعية، بروحٍ اجتهادية منفتحة، أوصلَتْهم إلى تقديم رؤية شرعية، تفسح المجال لمشاركة المرأة في الشأن العامّ، السياسي والاجتماعي؛ لتقوم بدورها إلى جانب شقيقها الرجل في إدارة الحياة، ومسار التنمية، وحركة المعرفة والعلم.
ولا شَكَّ أن صدور هذه الرؤية، بما تضمّنته من فتاوى تفصيلية، من قِبَل فقيهٍ في مقام الشيخ الفيّاض يشكِّل انتصاراً كبيراً لخطّ الأصالة والانفتاح، ويمثِّل دعماً قويّاً لحقوق المرأة، ولمشاركتها الفاعلة في بناء الأوطان والمجتمعات.
فالشيخ الفيّاض ليس مجرَّد باحث أو مفكِّر، أو صاحب فضيلة علمية، بل هو مرجعٌ ديني بارز في الساحة الدينية، وأستاذٌ ضليع في الفقه والأصول، يحتشد في مجلس درسه مئات الفضلاء، ويمتلك أعلى مقوّمات المرجعية والفقاهة والإفتاء، كما يحظى بثقة وتقدير مختلف الأوساط العلمية والدينية.
▪ رؤية الشيخ الفياض حول دور المرأة السياسي والاجتماعي
وفي ما يلي نستعرض أبرز آراء الشيخ الفياض ورؤيته حول دور المرأة السياسي والاجتماعي، من خلال إجاباته عن الأسئلة التي قُدِّمت إليه.
المرأة لكلّ المواقع في الحكومة المدنية
يجب على المرأة المسلمة أن تستر بدنها من الأجنبي، وأن تحافظ على كرامتها وشرفها وعفّتها من تدنيس كلّ دنس.. فإذا كانت المرأة المسلمة كذلك جاز لها التصدّي لكلّ عملٍ لا ينافي واجباتها في الإسلام، سواءٌ أكان ذلك العمل عملاً اجتماعيّاً، كرئاسة الدولة مثلاً، أو غيرها من المناصب الأخرى، أم فرديّاً، كقيادة السيارة والطائرة ونحوها.
ومن الواضح أن تصدّي المرأة للأعمال المذكورة لا يتطلَّب منها السفور، وعدم الحفاظ على كرامتها الإسلامية كامرأةٍ مسلمة، بل محافظتها عليها في حال تقلُّدها لمناصب كبيرة في الدولة تزيد من شأنها ومكانتها الاجتماعية، وصلابتها في العقيدة والإيمان.
والخلاصة: إنّ المرأة المسلمة إذا كانت قويّةً في إرادتها، وصلبة في عقيدتها وإيمانها بالله تعالى، ومحافظة على شرفها وكرامتها، فلها أن تتصدّى لكافّة المناصب المشار إليها، ولا فرق من هذه الناحية بين الرجل والمرأة.
▪ المرأة وتولّي السلطة الدينية
إنّ أكثر الفقهاء العظام لا يقولون بثبوت تولّي المرأة لمنصب السلطة الحاكمة في الدولة القائمة على أساس مبدأ الدين، إذا توفَّرت في المرأة كافّة شروط هذا المنصب.
ولكنّ الثبوت لا يخلو عن قوّةٍ؛ حيث إنه لا دليل على عدم الثبوت إلاّ دعوى الإجماع في المسألة. والإجماع في نفسه لا يكون حجّةً إلاّ إذا أحرز أنه كان ثابتاً في زمن المعصومين(ع)، ووصل إلينا من ذلك الزمان يداً بيدٍ وطبقة بعد طبقة. ولا طريق لنا إلى إحراز ذلك أصلاً.
إنّ أكثر فقهاء الطائفة، من المتقدِّمين والمتأخِّرين، لا يقولون بالولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط، ومنها: الأعلمية، والقائلُ بها بينهم قليلٌ، وأما مَنْ يقول بها للفقيه فإنما يقول: إذا توفَّرت شروطها فيه، كالأعلمية والعدالة والكفاءة ونحوها، وأما ثبوت هذه الولاية للمرأة المسلمة فهو محلّ إشكالٍ، بل منعٍ، عند أكثر الفقهاء.
ولكنّ الثبوت عندنا غيرُ بعيدٍ، إذا توفَّرت شروط الولاية فيها كافّةً، من الأعلمية والعدالة والكفاءة وغيرها، فضلاً عن تقلُّدها مناصب أخرى.
إنّ أكثر الفقهاء قد ادَّعَوْا الإجماع على المنع عن تصدّي المرأة لمنصب القضاء والإفتاء والولاية العامة في الدولة الإسلامية ولا إجماع في البين.
لا فرق بين الرجل والمرأة في النظام الإسلامي العامّ، بكافّة أشكاله وألوانه، من العقائدي والعملي والسياسي والاقتصادي والحقوقي وغيرها، ما عدا المناصب الثلاثة المشار إليها آنفاً عند الفقهاء.
▪ المرأة في القضاء المدني
القضاء العُرْفي بين الناس، الذي لا يكون مبنيّاً على ثبوت الولاية والزعامة الدينية للقاضي، لا فرق فيه بين الرجل والمرأة.
▪ المرأة في البرلمان
يجوز للمرأة أن ترشِّح نفسها للدخول في البرلمان، أو في سائر المجالس النيابية، شريطة أن تحافظ على كيانها الإسلامي، وكرامتها كامرأةٍ مسلمة.
يجوز تولّي المرأة رئاسة اللجان البرلمانية، ويجوز تولّيها رئاسة البرلمان.
يجوز للمرأة أن تشترك في انتخاب رئيس الدولة وأعضاء السلطة الحاكمة وأعضاء السلطة التشريعية وسائر المجالس الانتخابية كافّةً.
▪ المرأة والعمل الديبلوماسي
لا مانع أن تقوم المرأة بدور السفارة عن البلاد في الخارج، أو أن تكون شرطية.
▪ المرأة وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةٌ إلهية واجبة على الكلّ، بلا فرق بين الرجل والمرأة. وأما اختصاص هذه الفريضة بالرجل دون المرأة فهو غير محتملٍ، كاختصاص سائر الفرائض الإلهية؛ لأنّ المرأة أيضاً معنية بخطاب الآية المباركة والأحاديث الشريفة؛ فإنّ اختصاص حكم في الشريعة المقدّسة بطائفةٍ دون أخرى منوطٌ بتحقُّق موضوعه في هذه الطائفة دون الأخرى، كأحكام الحَيْض والاستحاضة والنفاس وما شاكلها؛ حيث إنّ اختصاصها بطائفة النساء من جهة اختصاص موضوعها بها، وإلاّ فأحكام الشريعة مشتركةٌ بين الجميع. فإذن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كوجوب الصلاة والصيام والحج ونحوها، ولا مقتضي للاختصاص. ومجرّد أن الخطابات القرآنية موجَّهة للذكور لا يدلّ على الاختصاص.
أمّا أوّلاً: فلأنّ الأحكام الشرعية المجعولة في الشريعة المقدّسة لا يحتمل اختصاصها بطائفةٍ دون أخرى؛ تطبيقاً لقاعدة الاشتراك في التكليف لأهل شريعةٍ واحدة.
وثانياً: إنّ الخطابات القرآنية بحَسَب النوع موجَّهة إلى الناس أو الإنسان، وهو يعمّ الرجل والمرأة، هذا من ناحيةٍ.
ومن ناحيةٍ أخرى إنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذات مراتب، منها: أن يكون باللسان، ولا يعتبر فيه أن تكون لدى الآمر والناهي سلطةٌ تنفيذية، فمَنْ كان قادراً عليه، ولو بالنسبة إلى عائلته فقط، وجب.
▪ المشاركة بالرأي في الشأن العامّ
إنّ المشاورة بين أفراد الأمة الكفوئين من الرجال والنساء، في تمام أجهزة الدولة، وتشكيل الشورى، من واجبات الدولة؛ لأنّ تبادل الأفكار والخبرات العلمية والعملية، والمشاورة في الأمور الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية وغيرها، أمرٌ ضروري في كلّ دولةٍ، سواء أكانت شرعية أم لا.
ولا فرق بين أن يكون أفراد الأمة الكفوئين من الرجال أو النساء؛ لأنّ تقلُّد المناصب الحكومية لا بُدَّ أن يكون بحسب الكفاءة واللياقة، سواء أكان رجلاً أو امرأة. وعليه فيجوز للمرأة ترشيح نفسها لعضوية المجالس البرلمانية، إذا كانت عندها الكفاءة واللياقة والخبروية، سواء أكانت في الدولة الإسلامية أم غيرها.
▪ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق العامة
لا تُستثنى المرأة من مساواتها بالرجل في الحقوق الاجتماعية والفردية والفكرية، وحرّية التعبير، وإبداء الرأي، والدخول في كافّة الاستثمارات والأنشطة المالية في الأسواق والبورصات العالمية، وحيازة كافّة الثروات الطبيعية، وإحياء الأراضي البائرة وغيرها، كلّ ذلك في الحدود المسموح بها من قبل الشَّرْع.
فلا يسمح بالاستثمارات والأنشطة الاقتصادية المحذورة المعيقة للقيم والمثل الدينية والأخلاقية، كالاستثمار بالرِّبا، والاتّجار بالخمور والميتة ولحم الخنزير والمخدّرات، والاحتكار، والغشّ، وغير ذلك، هذا من جانبٍ.
ومن جانب آخر: إنّ الدولة الإسلامية الشرعية تتكفَّل جميع الحقوق للإنسان المسلم، وتقدِّم له الحرّية بكل الاتجاهات والأنشطة، ولكنْ في الحدود المسموح بها شرعاً، لا مطلقاً، بأنْ لا تؤدي هذه الحرّية إلى تفويت حقوق الآخرين، وأنْ لا تعيق القيم والمثل الدينية والأخلاقية، كالكذب والغيبة ونحوهما، فإنه ليس حُرّاً فيها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة.
إنّ شهادة المرأة في جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تعادل شهادة الرجل، ولا فَرْق بينهما، وكذلك صوتها كصوت الرجل. وأما أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فهي إنّما تكون في موارد خاصّة؛ للنصّ الخاصّ في الشرع.
▪ قوامة الرجل في الحياة الزوجيّة فقط
إنّ المراد من الدرجة في الآية الكريمة [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ] (البقرة: 228) المنزلة، حيث إن منزلة الرجل في داخل الأسرة هي أنه قوّام على المرأة، ومعنى ذلك أن أمر المرأة بيده، فإنه متى شاء الاستمتاع بها ليس لها الامتناع، كما أن إطلاق سراحها بالطلاق بيده.
▪ وهذا الحكم مختصٌّ بداخل الأسرة.
وبدل المنزلة الثابتة للرجل في نظام الأسرة فإنّ للمرأة حقوقاً عليه، كالنفقة، بما يليق بشأنها وكرامتها وحالها، من المسكن والملبس والأطعمة والأشربة والمعيشة معه بسلامٍ وأمن، وغيرهما من الحقوق.
وأمّا في خارج الأسرة فلا فَرْق بين الرجل والمرأة في جميع أدوار الحياة العامة وشؤونها، من الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها.
إنّ قوامة الرجل على المرأة تقتصر في الحياة الأسرية، وأما في الحياة العامة فلا فرق بينهما، كما تقدَّم.
▪ لا اعتبار لنصوص تزدري المرأة
إنّ الحديثَ المرويّ عن رسول الله(ص) في وصف المرأة بأنها ناقصة عقل ودين غيرُ معتبرٍ، فلا يصحّ نسبته إلى الرسول الأكرم(ص)
هذا إضافةً إلى أنه غير قابلٍ للتصديق؛ ضرورة أنه خلاف ما هو المحسوس والمشاهد في الخارج؛ لأنّ المشاهد والمحسوس فيه أن عقل المرأة لا يقلّ عن عقل الرجل، في كافّة الميادين العلمية التي للمرأة فيها حضورٌ ووجود.
هذا إضافة إلى أنه يظهر من الآيات والروايات أنه لا فَرْق بين الرجل والمرأة في ذلك.
ولعلّ هذا الحديث  على تقدير اعتباره  ناظرٌ إلى أن طبيعة المرأة بحَسَب النوع حسّاسة، وذات مشاعر الحبّ ورقّة القلب، والميل إلى الزينة والجمال، أكثر من طبيعة الرجل، فلهذا قد تغلب هذه الإحساسات والمشاعر على عقلها وتفكيرها في الحياة العامّة، لا أنّ كلّ امرأة كذلك؛ إذ قد توجد امرأةٌ أكثر صلابة في إرادتها وقوّة قلبها من الرجل، ولهذا تُسمّى بالمرأة الحديدية.
إنّ الحديثَ الذي ينسب للرسول(ص): «لن يفلح قوم ولَّوْا أمرهم امرأة» غيرُ معتبرٍ، بل غيرُ قابلٍ للتصديق؛ لأنّ معناه أن المرأة بما هي امرأة لا تتمكّن من إدارة البلاد وشؤونها كافّة، وأنّ ولايتها عليها تؤدّي إلى سقوطها بتمام اتجاهاتها الحيوية. وهذا ليس إلاّ من جهة نقصان عقلها، وقصور تفكيرها. وقد تقدَّم أن هذا خلاف الوجدان في كافّة المعاهد العلمية والساحات الاجتماعية التي للمرأة فيها حضورٌ.
إنّ هذه الآيات [وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ[ (الأحزاب: 53)، [وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ] (الأحزاب: 33)، مختصّةٌ بنساء النبيّ الأكرم(ص).
▪ عمل الزوجة خارج المنزل
إنّ حقّ الزوج على الزوجة الاستمتاع بها متى شاء، وفي أيّ وقتٍ أراد، ولا يحقّ للزوجة الامتناع، والخروج من البيت المنافي لهذا الحقّ. وليعلم أن ثبوت هذا الحقّ للزوج على الزوجة إنما هو بالمقدار المتعارف الاعتيادي. وهذا المقدار لا ينافي توظيف المرأة، وخروجها من البيت بمقدار ستّ ساعات أو ثمانٍ، باعتبار أنّ الرجل نوعاً يخرج من البيت بهذا المقدار في نفس الوقت.
وأمّا إذا كانت المطالبة من باب العناد، والمنع من التوظيف، فهل تجب على المرأة الإطاعة؟
فيه وجهان. ولا يبعد عدم الوجوب. هذا نظير ما إذا طلب من المرأة الاستمتاع طول (24) ساعة، فإن إطاعته غير واجبة في هذا الفرض؛ لانصراف الأدلّة عن مثل هذه الفروض.
نعم، لو كانت الوظيفة واجبةً على المرأة في الدولة الإسلامية من قِبَل وليّ الأمر؛ لمصلحةٍ عامة، فلا يحقّ لزوجها أن يمنعها من الوظيفة، وإنْ كانت منافيةً لحقّه، وإلاّ فالوظيفة غير واجبة على المرأة حتّى تصلح أن تزاحم الواجب.
 نعم، لو كانت المرأة موظَّفةً في الدولة، كأنْ تكون معلمة أو متصدّية لمنصب من المناصب فيها، وأقدم الرجل على الزواج بها على الرغم من أنها موظَّفة، وقبلت المرأة شريطة أن تبقى في الوظيفة، وجرى العقد بينهما على هذا الشرط، فلا يحقّ للزوج حينئذٍ أن يمنعها من الوظيفة، أو أنّ المرأة اشترطَتْ على الرجل ضمن عقد الزواج التوظيف في الحكومة، فإذا رضي الرجل بالعقد كذلك، وجرى العقد بينهما على هذا الشرط، فليس له أن يمنعها من ذلك.
وأما المضاجعة فهي حقّ الزوجة على الزوج، لا العكس.
إنّ للمرأة أن تشترط على الرجل في ضمن عقد النكاح شروطاً تتعلَّق بالواجبات الزوجية، كالمضاجعة، والخروج من المنزل، فإذا رضي الرجل بها، وجرى العقد بينهما على هذه الشروط، وجب عليه الوفاء بها.
▪ تحديد المهور وغياب الزوج
يجوز تحديد المهور إذا رأى الحاكم الشرعي فيه مصلحةً عامة؛ باعتبار أنها غير محدَّدة في الشريعة المقدّسة. وكذلك له تحديد غياب الزوج إلى مدّةٍ معيَّنة إذا رأى فيه مصلحةً كذلك.
وأما تغيير الحكم الشرعي فهو ليس من صلاحية الحاكم الإسلامي، مهما كانت مرتبته ومقامه. وحتّى النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) ليس له ذلك؛ لأنه بمقتضى الآية الكريمة [وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى٭ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى] ليس له هذا الحقّ.

 

برچسب ها :
ارسال دیدگاه