
مقالة
يوم الغدير في الشعر العربي
محمد الخالدي
كان وما زال الشعر ديوان العرب الذي دونت فيه كل شاردة وواردة في حياتهم.ولاشك أنّ حادثة الغدير من الحوادث التاريخية المهمة التي جرت في حياة الإسلام، ولهذا دوّنها الشعراء المسلمون شعرا ، مازلنا نردده ونتلذذ بسماعه، وهو يصوّر لنا ذلك الحدث الكبير الذي حصل بعد فتح مكة في عهد الرسول الأكرم محمد(ص)، وعلى الرغم من مرور أكثر من ألف وأربعمائة عاما على تلك الوقفة التي تمثّلت ببيعة الغدير الأغر التي تكتسب أهميتها في كونها لم تأتِ كحدث عابر مر بحياة المسلمين، وإنما جاءت لتكرس مفهوما عقائديا يتجسد بالولاية التي اختص بها الله تعالى، الإمام علي(ع)ليتبوأ مكانا قياديا في مسيرة الأمة، ولاسيما بعد انتقال خاتم النبيين محمد(ص)إلى الرفيق الأعلى. وقد تجسد ذلك الأمر الرباني بما أنزله الله على نبيه الكريم(ص) يأمره أن يصدح ويبلغ بذلك النبأ العظيم، من دون تردد ولا وجل، مخاطبا له بالقول :((يا أيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربّك))(المائدة -67).
والحق إنّ بيعة الغدير كانت في صلب توجهات العقيدة الإسلامية منذ اللحظة الأولى، إذ أنبرى شاعر الرسول حسّان بن ثابت لتدوينها، قائلا:
يناديهم يومَ الغديرِ نبيهُم
بخمٍ وأسمع بالـرسول مناديا
فقالَ:فمن مولاكم ونبيكم
فقالوا ولم يبدو هناك التعاميا
إلهكَ مولانا وأنتَ نبينا
ولم تلقَ منا في الـولايةِ عاصيا
فقالَ له: قُمْ يا عليُ فإنني
رضيتك من بعدي إماما وهـاديا
فمن كنتُ مولاه فهذا وليّه
فكونوا له أتـباع صدق موالـيا
هناك دعا اللهم: والِ وليه
وكنْ للذي عادى عليّا معاديا
ثم تبعه عدد كبير من الشعراء المسلمين متخذين ذات المنحى، وهم ينشدون ويصدحون بقصائدهم، مستذكرين صاحب هذه الذكرى العطرة ، الإمام علي ابن أبي طالب(ع)، وهو يتوج إماما ووصيا وخليفة للأمة .
وهنا لابد من التذكير بالجهد الكبير الذي بذله العلاّمة الراحل عبد الحسين الأميني رحمه الله) في تأليف موسوعته الشهيرة الموسومة ( الغدير في الكتاب والسُنة والأدب)، والتي تعد من أهم الموسوعات الإسلامية التي تصدت لهذه القضية الكبرى.
إنّ ما قيل في الغدير من الشعر منذ القرن الأول الهجري وإلى يومنا هذا كبير وكثير بحيث لا يستطيع أحد أن يحصيه، ولهذا سنضطر لاختيار بعض المقطوعات الشعرية المنتقاة التي تتلاءم مع هذه المناسبة معرجين عليها ببعض اللمحات والتعليقات التي تتناسب ومقام كل قصيدة .
ولنبدأ بابن الرومي الذي يصف عليّا كالتبر المصفى، مبينا أنّ محله من الفضل هو كمحل الشمس في العلو، أو البدر في الليلة الظلماء، معرجا على يوم الغدير، قائلا:
وأراه كالتبر المصفى جـوهرا
وأرى سـواه لنـا قديه مبهرجا
ومحله من كل فضل بيّن
عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي له مـقالا لم يكن
يوم الغـدير لسـامعيه ممجمجا
من كنت مـولاه فذا مولى له
مـثلي فـأصبح بالفـخار متوجا
ويستغرب الشاعر أبو فراس الحمداني متسائلا لمن ينكرون بيعة الإمام علي(ع)، فيقول منشدا:
أتراهـم لم يسمعوا ما خصّهُ
منه النبي من المقال أباهُ؟
إذ قالَ يومَ (غدير خمّ) معلناً:
من كنت مولاه فذا مولاهُ
هـذي وصيتهُ إليه فافهموا
يا من يقولُ بأنَّ ما أوصاهُ
قروا من القرآن ما في فضله
وتـأملوه وافهموا فحواهُ
وهكذا تتواصل القصائد تنشد للغدير مستهجنة قول المخالفين والمنكرين والجاحدين.فهذا الشاعر أبو محمد المنصور بالله يشير إلى هذا المعنى قائلا:
وقال فيه المصطفى : أنت الولي
ومثله: أنتَ الوزيرُ والوصي
وكم وكم قالَ لهُ : أنتَ أخي!
فأيهم قالَ لـهُ مثلَ علي؟
***
وهل سمعتَ بحديثِ موسى
يومَ الغديرِ والصحيحُ أولى
ألم يقلْ فيه الرسول قـولا
لمْ يبقَ للمخالفين حولا
وهلْ سمعتَ بحديثِ المنزله
يجعلُ هارونَ النبي مثله
ونلمح ذات المعنى في أبيات من قصيدة للشاعر النجفي محمد علي الأعسم قائلا:
سألتُكَ أيها الماشي عنادا
فأوقـعكَ العـنادُ بكل هونِ
مَنْ المخصوصُ يومَ غديرِ خمٍ
من الرحمنِ بـالفضلِ المبينِ
ومَنْ قالَ النبيُ له بأمرٍ
من الباري أتـاه عن يقينِ
ألا مَنْ كنتُ مولاه فـهذا
عليُ الطهرُ مولاهُ أسمعونـي
جعلتُ خليفتي فيكـم عليّا
وصي وازئي قاضي ديـوني
أما الشاعر علاء الدين الحلّي الشهيفي فيرى أن في بيعة الغدير للإمام علي قد كمل الدين، واشتد عضده بعد أن أصابه الوهن، ولهذا اختاره النبي الكريم(ص) ليكون له أخا ولم يختر سواه أحدا من بين صحابته، فيقول منشدا:
يا من كمل الـدين الحنيف وللإ
سـلام من بعد وهن حيله عضدا
أنت الذي أختارك الهادي البشير
أخا وما سواك أرتضى من بينهم أحدا
وفي هذه الأبيات نرى الشاعر إبراهيم الكفعمي العاملي يهنئ يوم الغدير نفسه بهذه المناسبة ويعدّه يوما للحبور والسرور حيث تم به إكمال دين الإله سبحانه وتعالى وكذلك تمت به نعمة الربّ الغفور . فيوم الغدير كما يراه الشاعر هو يوم العقود ويوم الشهود ويوم الفلاح والنجاح والصلاح لهذه الأمة، إذ تتوج به الإمام علي(ع) الإمارة، فيقول:
هنيئا هنيئا ليوم الغـدير
ويومِ الحبورِ ويوم السرورِ
ويومِ الكمالِ لدينِ الإله
وإتمام نعمـةِ ربٍّ غفـورِ
ويومِ العقودِ ويوم الشهودِ
ويـومِ المدودِ لصنو البشيرِ
ويومِ الفلاحِ ويومِ النجاحِ
ويـومِ الصلاحِ بكلِ الأمورِ
ويوم الإمـارةِ للمرتضى
أبي الحسنين الإمام الأميرِ
ويستمرُ صوتُ الشعراء صادحا ليوم الغدير ليجسد معاني هذه الذكرى الخالدة، فهذا الشاعر والخطيب السيد خضر القزويني ينشدُ للغدير، ويرى أن العرب قد بلغت مناها بيومه المجيد، فيقول:
عيدُ الغـديرِ بكَ العربْ
بلغتْ مناهـا والأربْ
وغدا لها بـك في الورى الـ
مـجد الأثيل ولا عـجبْ
وحدتَ نشرَ صفوفها
ومنحتَ وحدتَها الـغلـبْ
ورفـعـتَ رايتَـهـا وفـي
عليـائـها كنـتَ السببْ
وينحو الشاعر جعفر النقدي منحى شعريا تساؤليا مبتدأ قوله بالسؤال عن الأحاديث التي وردت في ذكر فضل هذا الفتى الكرار(ع)، مسترشدا بما روي من أخبار الثقاة عن بيعة الغدير وكيف جرت أحداثها على مرأى من تلك حشود الحجيج وهم يلتقون في البقعة المباركة (الغدير)، فيقول واصفا:
وسلْ الأحاديثَ التي في فضلهِ
أمستْ لها أيدي العدو تحررُ
يـومٌ به جبريلُ جـاءَ مخبـرا
عن ربّهِ وهو السميعُ المبـصرُ
يا أيها المختارُ بلغْ في الفتى الـ
كرار ما قـد كنتَ قبلا تسترُ
واللهُ يدفعُ كلَ كيـدٍ خفته
من معشرٍ قد خالفـوا وتكبروا
فأقامَ في حرِ الظهيرةِ ماله
غيرَ الحدائجِ ما هـنالك منبرُ
فرقى وكفُ المرتضى في كفهِ
وغدا يـنادي والبريـةُ حُضَرُ
مَنْ كنتَ مولاهُ فهذا حيـدرٌ
مولاه ُوالله المـهيـمن يأمرُ
فهو المطاعُ وخيرُ رجالكم
فـدعوا جميعاً بالقبـولِ وكبروا
ويطالعنا الشاعر خليل مغنية بهذه الأبيات التي تفيض بعطر الولاء لإمام الحق والعدل والإنسانية، أبي الحسنين فيقول:
أقـرآنُ آي المدحِ في أسفارهِ
وشممتُ آيَ الذكرِ في أزهـارهِ
ورأيتُ كيفَ اللطفُ وضاءُ السنا
غمرَ الجهاتَ الستِ من أنوارهِ
وعرفتُ أنّ اليوم يومَ سعادةٍ
قد فازَ فيها المـرتضى بفـخارهِ
رددْ على الأسماعِ ذكرَ ولايةٍ
هي تحفةُ البـاري إلـى كرارهِ
ما في البريةِ غيره كـفؤ لها
فأتتهُ إذ كـانتْ على مـقدارهِ
أما أبو القاسم الزاهي البغدادي فيؤكد في شعره على أن الخلافة من النبي(ص) كانت لعلي(ع)بأمر من الله وإنها مثبتة بالخبر الصادق المأثور وقد جاء بها نص سماوي فما كان من الرسول الأكرم(ص) إلا أن يبلغه للناس، يقول الشاعر:
إنّ الخلافةَ من بعـدِ النبي لهُ
كانتْ بأمرٍ من الرحمنِ مقدورِ
مَنْ قالَ أحمد في يوم (الغدير) لهُ
بالنقلِ في خبرٍ بالصدقِ مأثورِ
قُمْ يا عليٌ فكنْ بعدي لهـم عـلماً
وأسعد بمنقلبٍ في البعضِ محبورِ
مولاهم أنتَ والموفي بأمرهم
نصٌ بوحـي على الإفهامِ مسطورِ
وذاك إنّ إله العرشِ قالَ له:
بلغْ وكنْ عند أمري خيرَ مأمورِ
ويسترسلُ الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين ببعض أبياته مخاطبا متسائلا جماهير المسلمين: (كيف يظما من يجري فيه الغدير؟) فيقول:
ظمئ الشعرُ أم جفاكَ الشعورُ
كيفَ يظما من فيه يجري الغديرُ؟
كيفَ تعنو للجدبِ أغراسُ فكرٍ
لعلي بـها تـمُت الجذورُ؟
نبتتْ – بين (نهجه) وربيعٍ
من بنيه غمر العطاء – البـذورُ
وسقاها نبعُ النبي وهل بع
د نميرِ الـقرآنِ يحلـو نميرُ؟
فزهتْ واحـةٌ ورقتْ غصونٌ
ونما بـرعـمٌ ونمتْ عطـورُ
ويتساءلُ الشاعر النجفي الراحل عبد الحسين حمد الكعبي، هل الأمة لم تكن تعرف بأن علي(ع)، هو الوتر وشفيع القرآن؟ ألم تسمع ما قله النبي(ص) فيه؟ لماذا ردت على أعقابها متناسية لشرعة الهادي ومنهجه؟كل هذه التساؤلات ضمنها قوله بأربع أبيات، فيقول:
ولو أصخنا فـ (بلّغْ) عنك مُنبئة
بأنـكَ الوترُ والقرآنُ يشفعهُ
وقولة المصطفى: (مولاه حيدرة
من كنتُ مولاه) فوقَ الشمسِ ترفعهُ
لكنما القومُ قد ردوا على عَقبٍ
لـلاتِ هذا وذا للـغنـم يتبعـهُ
كأنّما شرعـةُ الهادي ومنهجهُ
زرعٌ وكانَ لهم ما كانَ يـزرعهُ
ولأنّ ما قيل في الغدير لا يتسع له مقالنا هذا فسنختتم بما قاله الشاعر مهيار الديلمي الذي يخاطب الإمام الحسين(ع) مذكرا بيوم السقيفة ومقارنا بينه وبين واقعة كربلاء، إذ يعد الثانية من نتائج الأولى، فيقول:
فيومُ السقيفةِ يا ابنَ النبي
طَرّقَ يومَكَ في كربلا
وغصبُ أبيكَ على حقهِ
وأمكَ حـسّنَ أن تُقتلا
(النصوص الشعرية مستلة من داوين الشعراء ومن موسوعة النجف الأشرف).
المصدر: الولاية، العدد 108
برچسب ها :
ارسال دیدگاه