هفته‌نامه سیاسی، علمی و فرهنگی حوزه‌های علمیه

نسخه Pdf

جهاد التبيين في تراث المعصومين(ع)

جهاد التبيين في تراث المعصومين(ع)

الشيخ موسى منصور

لإنتباه: الأبحاث والمقالات  المنشورة  لا تعبر عن رأي الآفاق بالضرورة بل تعبر عن رأي صاحبها
قال تعالى: ]لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ[ (آل عمران: 164).
 الهداية والتبيين وظيفتان أساسيتان للأنبياء والأئمّة(ع). ولقد كان رسول الله(ص) أباً رحيماً ومعلّماً عظيماً، شديد الحرص على تعليم الناس وتبيين الدين لهم: في حربه وسلمه، في حلّه وترحاله، في سفره وحضره، إن سألوه أجابهم، وإن سكتوا ابتدأهم بالسؤال. مستخدماً في ذلك كلّ ما أمكنه من وسائل وأساليب لمسيرة الهدى والتبيين، ولترسيخ ذلك في صدورهم، وتبعه على ذلك وصيّه أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة الأطهار(ع).
يعرض هذا المقال، بعض الأساليب التي استخدمها الرسول(ص) وأهل بيته(ع)، في عمليّة التبيين.
 استثارة دافعيّة المتلقّي
نلحظ أنّ المعصومين قد حرصوا على زرع الرغبة الذاتيّة لدى السامع والمتلقّي للبحث عن المعرفة، وقد اتّبع كلّ منهم(ع) طرقاً عديدة في هذا المجال، نذكر منها:
1. إثارة الفضول: كما لو أدّى حركةً أو صدر منه قول أو فعل، يستدعي طلب المعرفة، فعن أبي عبد الله(ع) قال: "ضحك رسول الله(ص)حتّى بدت نواجذه، ثمّ قال: ألا تسألوني عمّا ضحكت؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال(ص): عجبت للمرء المسلم أنّه ليس من قضاء يقضيه الله له، إلّا كان خيراً له في عاقبة أمره".
 2. استخدام عنصر التشويق: عن أبي عبد الله(ع) أنّه قال: "قال رسول الله(ص): ألا أنبئكم بشرّ الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال(ص): من سافر وحده، ومنع رفده، وضرب عبده".
 3. الاستجواب والتقييم: كما عن الإمام الرضا عن أبيه(ع) قال: "رفع إلى رسول الله(ص) قوم في بعض غزواته، فقال: من القوم؟ فقالوا: مؤمنون يا رسول الله، قال: وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا: الصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بالقضاء، فقال رسول الله(ص): حلماء علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء".
 4. طرح مصطلحات جديدة: إنّ طرح تعبير جديد أو توظيفه في سياق جديد يستدعي تساؤل السامع، مثلاً:
 أ. المُثلّث: روى الإمام الباقر(ع) عن رسول الله(ص) قوله: "إنّ شرّ الناس يوم القيامة المثلّث. قيل: يا رسول الله، وما المثلث؟ قال(ص): الرجل يسعى بأخيه إلى إمامه فيقتله، فيهلك نفسه، وأخاه، وإمامه".
 ب. طريق القرآن: عن أبي عبد الله(ع) قال: "قال رسول الله(ص): نظّفوا طريق القرآن، قيل، يا رسول الله وما طريق القرآن؟ قال(ص): أفواهكم، قيل: بماذا؟ قال(ص): بالسواك".
 ج. القاتل الذي لا يموت: روى الإمام زين العابدين(ع) عن رسول الله(ص)قوله: "لا يغرّنّكم رحب الذراعين بالدم، فإنّ له عند الله قاتلاً لا يموت، قالوا: يا رسول الله وما قاتل لا يموت؟ فقال: النار".
 نلاحظ في هذه الشواهد كلّها، سكوت المعصوم(ع) منتظراً منهم سؤالاً أو استفساراً؛ ليميط اللثام في خطوة تالية عن دلالة الاصطلاح الجديد.
أساليب بيانيّة
من اللافت جداً أن نلحظ في روايات أهل البيت(ع) مجموعةً من الأساليب التي تُعد اليوم من أهمّ طرائق التعليم، وهذا يدل على اهتمامهم(ع) بالأسلوب المناسب لكلّ ظرف وفرد ومسألة. منها:
 1. العصف الذهنيّ: هو "استجابات وردود أفعال لفظيّة، أو غير لفظيّة من شخص واحد أو أكثر، لمثيرات (سؤال أو مهمّة) مقدَّمة من مصدر مثير (أستاذ، مدرّب،...) لتحقيق هدف أو أكثر...".. نجد المعصوم(ع) يستعمل ما ينطبق عليه هذا المصطلح في تبيينه للناس؛ ليستخرج مكنون عقولهم، ويدفعهم إلى سلوك سبيل الفكر، كما يقول أمير المؤمنين(ع): "ويثيروا لهم دفائن العقول". وثمّة شواهد كثيرة حول هذه المسألة، منها ما ورد عن عمرو بن مدرك الطائي قال: قال أبو عبد الله(ع): [أنّ رسول الله(ص) قال لأصحابه]: "أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال(ع): قولوا، فقالوا: يا ابن رسول الله الصلاة، فقال(ع): إنّ للصلاة فضلاً ولكن ليس بالصلاة، قالوا: الزكاة، قال(ع): إنّ للزكاة فضلاً وليس بالزكاة، فقالوا: صوم شهر رمضان، فقال(ع): إنّ لرمضان فضلاً وليس برمضان، قالوا: فالحجّ والعمرة، قال(ع): إنّ للحجّ والعمرة فضلاً وليس بالحجّ والعمرة، قالوا: فالجهاد في سبيل الله، قال(ع): إنّ للجهاد في سبيل الله فضلاً وليس بالجهاد، قالوا: فالله ورسوله أعلم، فقال(ع): قال رسول الله(ص): إنّ أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله، وتوالي وليّ الله وتعادي عدوّ الله".
 2. استخدام وسائل الإيضاح: إنّ وسائل الإيضاح من أهمّ الأساليب التي أُدخلت إلى حقل التعليم، بهدف ترسيخ المعلومات في ذهن المتلقّي، وهو ما نجده أيضاً في تراث أهل بيت العصمة(ع) في تبيينهم وتبليغهم. ومن الشواهد على ذلك ما رواه ابن مسعود، قال: خطّ رسول الله(ص)خطّاً بيده، ثمّ قال: "هذا سبيل الله مستقيماً"، ثمّ خطّ خطوطاً عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله، ثمّ قال(ص): "وهذه السبل ليس منها سبيل إلّا عليه شيطان يدعو إليه"، ثمّ قرأ: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ[ (الأنعام: 153).
 3. لعب الأدوار: هي تقنيّة تقوم على تمثيل وضعيّة معيّنة، غالباً ما تكون مشكلة من الحياة اليوميّة. وهذا ما قام بتنفيذه رسول الله(ص) عندما أراد تبيين كيفيّة تكاثر الذنوب، مثلاً ما روي عن الإمام الصادق(ع): "إنّ رسول الله(ص) نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه: ائتوا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال(ص): فليأتِ كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله(ص): هكذا تجتمع الذنوب، ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب...".
 فالأصحاب في هذا الشاهد لعبوا دور المكلّف، والحطب بكبيره وصغيره لعب دور كبائر الذنوب وصغائرها، والهدف من ذلك الرؤية بأمّ العين كيف تجتمع الذنوب.
 4. استخدام لغة الجسد: عن أمير المؤمنين(ع): "أما إنّه ليس بين الحقّ والباطل إلّا أربع أصابع". فسُئل(ع) عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه ثمّ قال: "الباطل أن تقول سمعت، والحقّ أن تقول رأيت".
 5. طرح المثل التشبيهيّ: ضرب الأمثال هو من الأساليب الواردة في آيات القرآن الكريم بشكل كبير، وكذلك في كلام المعصومين، كما عن رسول الله(ص) أنّه قال: "مثل المؤمن إذا عوفي من مرضه مثل البردة البيضاء، تنزل من السماء في حسنها وصفائها".
 6. الاختبار والتطبيق العمليّ: عن حمّاد بن عيسى: قال لي أبو عبد الله(ع) يوماً: "يا حمّاد تحسن أن تصلّي؟ فقلت يا سيّدي، أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة، فقال(ع): لا عليك يا حمّاد، قم فصلّ: فقمت بين يديه متوجّهاً إلى القبلة، فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت، فقال(ع): يا حمّاد لا تحسن أن تصلّي، (..) فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة. فقام أبو عبد الله(ع) مستقبل القبلة منتصباً، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه، قد ضمّ أصابعه وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما قدر ثلاثة أصابع منفرجات، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة، لم يُحرفهما عن القبلة وقال(ع) بخشوع: الله أكبر... فصلّى ركعتين على هذا ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهّد، فلمّا فرغ من التشهّد سلمّ، فقال(ع): يا حمّاد هكذا صلّ".
لكلّ مضمون طريق
تزخر مسيرة جهاد التبيين بجهود وتضحيات عدّة، بدأت مع الأنبياء إلى الأئمّة(ع)، وهي مستمرةٌ مع ورثة الأنبياء من علماء الدين الكرام حتى قيام صاحب العصر(عج)، لكن ما نستفيده من عرض الشواهد السابقة هو أنّ الرسول(ص) وأهل بيته(ع) انتخبوا أساليب وطرق عدّة ليبلغوا هذا الدين بما يحمله من مضمون رفيع، ومعرفة فريدة، وهدىً وتبيان، وحريٌّ بنا في عصر جهاد التبيين الاقتداء بأثرهم.
 المصدر: مجلة بقية الله/ alwelayah.net

برچسب ها :
ارسال دیدگاه